بقلم محمد الناصر النفزاوي

في "الحركيين" المغاربة الجدد
أو
في شحوب "الخطوط الحمراء"

تتناول هذه القراءة  شيخوخة عدد من المفاهيم عندنا مثل الوطنيّة والسيادة الوطنيّة والعمالة للغرب والمشرق أي ما اعتادت المصطلحات  السياسية التقليدية على تسميته بـ" المقدّسات" أو "الخطوط الحمراء" وضدّها سواء أكانت دينيّة مثل تفجير المساجد والكنائس فوق رؤوس المصلّين أم سياسية مثل "تحريم" استنجاد  جماعات من المحكومين في بلد من البلدان قوى من غير بلدها ودفعها الى اختيارين  أحلاهما مرّ وهما "الرمضاء والنار".

لقد كانت القاعدة منذ استقلال البلاد المغربية هي تجريم ما حدث على سبيل المثال عندما استنجد عدد من التونسيين معمّر قذّاف الدم ذات يوم مقاومة منهم لبورقيبة وصحابته وتابعي تابعيه وعندما استنجد عدد من سكان الصحراء الغربية عسكريي الجزائر بسبب خلاف سياسي مع المخزن المراكشي الجشع حول أصلهم وفصلهم   .

 أما في ما يتعلق بليبيا فحدّث ولا حرج.

أما قبل الاستقلال فلقد كان عامة المغاربة  أي من أسميهم بـ"سماد الأرض" المغربية زمن الاستعمار، موحّدين شعورا وطنيا مغربيا فعندما اغتيل فرحات حشاد  سنة  1952 في تونس  كان عدد من قتل في مراكش  نتيجة ردة فعل المراكشيين على هذه الجريمة أكثر بكثير  ممن تعرّض للمصير نفسه في بلده الأم.

ومن منا لم  يكن يهتزّ اهتزازا قلّ مثيله عندما كان  يسمع  نشيد " قسما".

في هذا الزمن كان معنى كلمة " حركة" ( بتسكين الراء) واضحاكانت هذه الكلمة أثناء ثورة الريف بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي تحمل كل ما هو نبيل من المعاني ولكنها   تلبّست زمن الثورة الجزائرية بعكس المعاني الأصليّة تماما.

إن هذه الحركة الأولى الخطابية المغربية هي ما سميته بالأنباض الإنسانية الخلاقة في سماد الأرض المغربية.

ولقد حدث أن تراخت هذه الأنباض بفعل فاعل فمن يكون ياترى؟

إنني عندما أتناول قضايا الشعوب أرمي بكل تفسير نفسيّ في البحر.

 فما الذي حدث حتى تراخت هذه الأنباض في تونس والجزائر ومراكش وموريتانيا وليبيا التي أنهي بها المقالة؟.

لقد حدث أن هذه الشعوب المؤمنة أنجبت ، من دون أن تتفطن ذلك في البداية،  أطفالاـ قادة  كانت علاقاتهم بـ"السرّة"الاستعمارية القديمة  حاسمة ثقافيا وسياسيا، رغم المظاهر، وخاصة اقتصاديّا.

وحتى من لم ينهج  منهم هذا النهج وندّد  بهؤلاء الأطفال ـالقادة  الذين "تعلّموا الحجامة في  رؤوس اليتامى(ة)"  اختار النهج العروبي أو الإسلامي بديلا أي" هرب من القطرة ليقع تحت الميزاب" بما أن ّ" فاقد التقدم لا يعطيه".

إن  الأمر يتعلّق بسرّة الطفل ـ القائد الوطني التي لم تقطع أي يتعلق بسبب وجود هذا الجنين وبقائه جنينا حتى  بعد الولادة.

بهذه الطريقة ساد "الحركة"في كل بلاد المغرب وانتشروا سرطانيا عوض أن ينحسروا عدديا وبهذه الطريقة التبس مفهوم الأم البيولوجية وأصلها وفصلها هل هي شمال أفريقية أم غربية أم شرقية فتكاثرالحركة الثقافيون والحركة السياسيون والحركة الاقتصاديون الخ ولكن من دون أن يكفّ كثير منهم عن تشطين الغرب ومشتقاته  وتكفيره وتعداد مثالبه توقّيا من شبهة العمالة.

 إن كلامي هذا يعني سياسيا أننا بإزاء سوء فهم وطني مغربي خطير ذلك أن أغلبية المغاربة لم تتمكن من فهم هذا الحب المزدوج المعقد بين قادتها الوطنيين وأمهم "المكتسبة" أقصد فهم قصة السّرة والجنين لأنها تقول بالثنائيات الفظة القاطعة ولذلك بدأت هذه الأغلبية تستفيق، بعد أن طالت حياة هذا الحب غريب النشأة، على كابوس حقيقي:

لقد رأت  في هذا الكابوس ذي الخمس حلقات  تاريخ ليبيا الذي ختمه "قائد وطني" بقصف مواطنيه  بالأسلحة الثقيلة بعد أن هرّب ما في "بطن ليبيا" مما لا أعرف على وجه الدّقة في كل بلاد الأرض تقريبا ولم يتخلّ عنه  المقربون منه  إلا بعد أن تحدّد مصيره نهائيّا.

ورأت في الحلقة الثانية من الكابوس الحبيب بورقيبة يعقد صفقة مع فرنسا مكنته من الحكم .فلم يمض إلا القليل من الوقت حتى استقرت "عشيقته" بل قبيلتها في لا أدري أي قصر من قصور المرسى وما شابه المرسى وبدأ ت عملية الاستحواذ على البلاد والعبيد .وعندما قرّر أن يمنّ على سواد شعبه بفكرة التعاضد سرعان ما فشلت هذه الفكرة وتقرّر إلغاؤها.وهنا وذات يوم هبّ "يأجوج ومأجوج" ممن  ساهموا في صنع هذا القرار ،وقبل أن يذاع على الملا، يشترون  في تونس من أدناها الى أقصاها كل ما يقع بين أيديهم  بثمن لا يصدق تفاهة ليرتفع  ثمن  ذلك بعد قليل الى "السماء".

 في هذا الزمن لم يكن زين العابدين شيئا ولكن الدودة كانت قد بلغت من الثمرة نواتها.

 أما في الحلقة الثالثة من الكابوس فقد رأت الجزائر المنتفخة باستقلالها  القديم  منذ نصف قرن والتي  اشترط  عبد العزيز بلخادم على كل من  يحب الحديث عنها أن " يتوضّأ قبل  ذلك"  رأت على طريقة الفلاش ـ  باك مجموعة من  الضباط الجزائريين العاملين في الجيش الفرنسي  يلتحقون عندما اقترب  إعلان الاستقلال ، تماما مثلما حدث في ليبيا  في الشهور الأخيرة  من هذه السنة، بالثورة ليرسموا في وقت لا حق طريق الجزائر وخاصة ما يجب على جيرانهم من الدول مثل ليبيا اليوم طريقة التعامل مع... فرنسا

هل يمكن لإنسان غير مصاب في "رادار رأسه" أن يفسر سلوكا مثل هذا ؟

إن واحدا مثلي ليس يمكنه أن يفهم منطقا مثل هذا ولذلك لن أتعرض للحلقتين المراكشية والموريتانية.

هذا الكابوس الذي وصفت هو الذي دفع  عامة الناس الى أن يتساءلوا: لم ياترى  طردنا المعمرين وأقرباءهم ممّن لم يبلغ واحد منهم ، وكان بكثير من المقاييس أكثر من "الوطنينشاطا وإنتاجا وتطور ذهنية، حدّ تكوين ثروة  تبعث  على الدهشة في  حين تمكن " القادة الوطنيون" في بلاد المغرب من أن يجمعوا ثروة تفوق ما يمكن  أن يدخره بشر بخيل  ولنقل  منذ  1830 أو 1881 أو حتى 1911 و 1912 أي تصل الى مئات المليارات من الدولارات ويسارعوا الى تهريبها

 بكل الوسائل الى  بلاد "الحبيب الأول"وكان منهم من ينشد هو وأشباهه في هذه  المناسبة نشيد

"حماة الحمى ياحماة الحمى    هلمّوا هلمّوا لمجد الزمن".

وليتساءلوا كذلك: ألا تكون وطنية مثل وطنية هؤلاء كذبة كبيرة لا يصدقها غير المغفلين ؟

إن تكويني الأساسي لا يسمح لي بأن أنزّل العامل الخارجي في تفسير الأحداث المنزلة الأولى إلا في حالات لا تهمنا في هذه المقالة.فالاستعمار وكل أشكال التدخل الأجنبي لا يكونان ممكنين وبمستويات مختلفة إلا عند نقص مناعة بلداننا ولقد بينت أن تفكير الحركة في بلاد المغرب جميعها كان السبب الأصلي في بروز هذا المرض وتمكنه من الجسد المغربي. أود أن أقول انه ليس من حق حركي في هذا البلد المغربي أن يشطن حركيا يشبهه في البلد المجاور.

وحتى أفصل أكثر  وأطلّق التلميح أقول إن الأمر يتعلق  بموقفي النظامين العسكري الجزائري والمراكشي من النظام الجديد في ليبيا:

إنني أنا  الذي أدمنت منذ زمن قراءة ما يكتب في المواقع الجزائرية والمراكشية  أعرف أن الشامان   الليبي لم يكن يحظى لا في الجزائر ولا في مراكش بتقدير  يزن ما تزن ذبابة خاصة في الجزائر التي قرأت فيها لمتدخل عابر من الحدود التونسية الجزائرية الجنوبية وفي شهر جانفي ما يفيد أن الانتفاضة التونسية التي  اندلعت في مناطق يبدو أنه يعرفها جيدا سوف تعم كامل البلاد لتنتشر بعد ذلك فلا تستثني الجزائر.

هذا الرجل استشعر حركة تاريخ لا تردّ.وكان على النظام الجزائري الذي لا يغفل عن أن واردة أو شاردة في البلاد أن  يرسم عدة سيناريوهات لتطور الأحداث ولكنه لم يفعل:اكتفى، تصديا لمراكش وتشبثا بموقفه من الصحراء الغربية، باتخاذ موقف غير سليم بعد أن طلاه بكذبة الوقوف ضد التدخل الأجنبي في ليبيا .

هذا هو الحق عندما يراد به باطل

لقد كان على هذا النظام أن  يفهم أن حركة التاريخ لا تردّ  ، على الرغم من أنها قد تكون خيرا للبشرية أو العكس . حركة التاريخ هذه أسرت في أذني منذ اليوم الأول من بداية العلامات الأولى للانتفاضة أنه ليس من الممكن ألا تتأثر ليبيا الواقعة بين تونس ومصر بانتفاضتهما لذلك كتبت في 17 فيفري في موقع ليبي ما يلي:

"فبراير 17, 2011 الساعة 9:54 ص

مع شعبنا الليبي ألف سبب وسبب يدفعاني الى مساندة ثورة شعبي الليبي

محمد الناصر النفزاوي:الموقع التونسي زينب النفزاوية "

 إنني لا أعرف كم كان عدد الليبيين الذين ذهبوا مذهبي في التفكير منتصف فيفري فهل أكون من ممتهني الشعوذة و "قراءة المستقبل"؟

لا طبعا.

 كنت فقط أقول بحركة التاريخ وبغض النظر عما سيحدث في المستقبل.

لم يكن يهمني لا سركوزي  ولا صراع النظامين المراكشي والجزائري حول الصحراء الغربية الذي أقحم ليبيا في شعوذته. لم أكن كذلك شعبويا أهيم في حب الشعوب في ذاتها بل كنت بالعكس لا أحب من الشعوب إلا  ما يثبت قدرته على الحياة.  ولكن وحتى يثبت هذه القدرة عليه أن يجربّ أي يغامر فان نجح فيا حبذا وان لم ينجح فالمستقبل كفيل بدفنه.

لست على الشعوب بوكيل.

وخلاصة القول هي إنني لن أقول بصدق نيات النظامين الجزائري والمراكشي في ما يتصل بليبيا إلا عندما يبدآن من الآن  بالاتفاق على حل للمشكلة الصحراوية فيقللا بذلك ، وهما الكبشان النطيحان حقيقة لا مجازا،  من سباق التسلح بينهما مما يفتح الطريق إزاء استثمار مشترك لا يستثني بلدا من بلاد المغرب   ولكن هل يمكن ذلك من دون استئصال "حركة" بلاد المغرب جميعها الذين تسببوا في تهرؤ مفهوم الوطنية الحقيقية والسيادة المغربية الحقيقية ومن ثمّ برّروا   فعلا  تدخل كل من هبّ ودبّ من القادرين في تحديد مصير بلاد المغرب ؟