بقلم محمد الناصر النفزاوي

في تهافت الاستنساخ
أو
الإسلام السياسي المغربي وفخّ القدوة التركيّة

لا يقول هذا الموقع بالمطلق اذ لا وجود ، عنده ، لبياض أو سواد خالصين لأنه  يتّخذ من الطبيعة ،والإنسان جزء منها ، هاديا لـــه.

فماذا تقول الطبيعة ؟

إنها، في الموضوع الذي نتناوله هذه المرة خاصة، تقول، قبل كلّ شيء،  باستحالة دوام الفراغ مدة طويلة.

ومن أوجه هذا الفراغ ما تعيشه البلاد   التونسية وشبيهاتها هذه السنة من " فوضى لا خلاّقة" اذ من معاني الفوضى الخلاّقة  أن   يحدث في فترة من الفترات  تكلّس في  جسد اجتماعي معيّن ويطول النزع الأخير في هذا الجسم حتى ليكاد أن يذهب بما فيه من قوى جديدة متحفّزة للانقضاض على قوى متهالكة تستميت في الدفاع عن بقية حياة.

هذه العمليّة الانقضاضية وهذه الفترة هما ، ممتزجتان ،عملية وفترة " خلق" أي هدم وبناء متلازمين مشروطين بخصوصية التجربة و خضوعها لزمان ومكان محدّدين والهدف منهما إحداث توازن جديد.

ولأعط مثالين مختلفين تماما لتوضيح القصد مما أقول، مثال يتعلّق بالنبيّ محمد ومثال يتعلّق بما نعرف جميعا من "تجربة" الحيوان المنوي:

إنني من الناس الذين لم يقتصدوا في يوم من الأيّام في بيان قدرة النبي الخلاّقة فلقد عاش محمد في قومه في زمن سادت فيه قوتان عظميان اسما متهاويتان عظما ولقد تمكّنت قدرته الخلاقة من تبديل عالم منهار بعالم جديد وليس في إمكان أي كان أن يشكك في ما قدمته الى الإنسانية جميعها من دفع فهو بذلك ساهم في الرقيّ بفكرة التقدم الى سماوات عالية ولكن لفترة زمنيّة محددة  أقصد  أن   شروط خصوصية التجربة وخضوعها لزمان ومكان محددين توفّرت لحالة النبي أمّا ما وراء ذلك فيجب أن يخضع لشروط ليس في الإمكان  عقليا أن تكون مطابقة لما سبقها اذ هو على الأكثر مشتقّات.

 . لننتقل الى المثال الثاني  وهو أضرب في البيولوجيا:

إننا نعرف بالتجربة هذا الاقتتال بين الحيوانات المنوية في حياة الشباب خاصة فالقديم منها يجتهد في البقاء ،على هرمه وتراجع الحياة فيه،  في حين تسعى الحيوانات الوليدة القويّة المندفعة في حتمية قاهرة الى طرده والحلول محلّه  الى حين وبذلك نشهد عملية خلاّقة متوهّجة لا مثيل لها لأنها هي أيضا محكومة بهذه الشروط الثلاثة أي خصوصية التجربة (الحب) وخضوعها لزمان ومكان محدّدين.

 مما تقدّم نفهم أن التوهّج خالق خلاّق مفرد ولكن الى حين وأنّ الاستنساخ عبد جارية أمة  ليس فيه وان طال عمره   من صفة الخلق شيء لأنه لا تتوافر له  صفة "الإعجاز" أي التفرد والخصوصية في أقصى تجلياتهما.

 إن حالات الإعجاز  في تاريخ البشرية متعددة  ولكن  لا واحدة منها لم تنته بنهاية صاحبها  لما سبق أن ذكرنا من شروط  وكل  من  يدعي  إمكان استنساخها  لا يعدو أن يكون لصّا مدلسا مقلدا مزوّرا.

ولنكتف بمثال حديث عن مثل هذا التقليد:

في نهاية القرن التاسع عشر ظهر بعد أن هزمت بروسيا فرنسا هزيمة نكراء تيار فرنسي كامل يدعو الى تقليد الأنقلوسكسونيين إذ  يئس القوم من نمط التقدم الفرنسي اللاهث وبدؤوا يتساءلون عن " سر ّتقدّم الانكليز السكسونيين "ولم يتخلّف المسلمون ، بعد زمن،عن استنساخ محاولة الاستنساخ الفرنسية هذه فكتب شكيب أرسلان كتابه "لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدّم غيرهم ؟"

 ونحن ما زلنا نرى حتى في هذه الفترة التي  يقول فيها شقّ من الغربيين بـ"ما يسمّى بفكرة الفوضى الخلاقة" في ما يتصل بالبلاد المتخلفة حضاريا  نقاشا يحتدّ  أحيانا بين الفرنسيين حول "المثال الألماني"و"القدوة الألمانية" أو" اليابانية" اذ ميزة عصرنا أنه عصر استنساخي خالص.

ولكنّ من أبأس ما أرى اليوم في تونس وفي بقية  بلاد المغرب خاصة هذا الجهل الذي يحدو عددا من الجهلة بفلسفة التاريخ(ومنهم عدد من "بني يرعف") الى محاولة الانخراط في مفهوم الاستنساخ المتخلف حضاريا بكل المعاني أقصد استنساخ تجارب شرقية (سعودية  وخليجية) أو تركية.

تركية خاصة بسبب احتداد الصراع القومي الفارسي التركي القديم الجديد.وتفطّن الأتراك ما يعيش المشرق وبلاد المغرب من فراغ يمكن استثماره بمباركة ربّانية أمريكية.

إنني  لا أعرف إن كان بعض الحيوانات المستنسخة ما زال حيّا لأنني لا أتابع الأخبار بسبب ضيق الوقت ولكنني على يقين أن ما بني على وهم فهو وهم سواء أتعلق الأمر باستنساخ الحيوانات أو تجارب الأمم الخالية الفريدة ومنها أمة إسلام النبي محمد.لذلك أقول معزّيا:

 لك الله يا بلاد المغرب لأنك ما زلت أرض تجارب  استنساخية!".

إن هذا هو ما توصّل إليه عقلي في ما يتّصل بالإسلام السياسي المغربي الاستنساخي ولقد عبّرت عنه في لغة عارية عريانة، أي غير مستنسخة، فليثبت لنا دعاة التغريب والتعريب والتكفير والتخوين والتجهيل  من دون استثناء أننا على خطا فنلقي ،ومن دون ذرّة من  حنين الى الكتابة ،بهذا القلم المتعب  في الماء.