الطريق الجديد، 19 أكتوبر 1985
قراءات في سطور المدينة، محمد الناصر النفزاوي

في ظاهرة النوبات العصبية

لا يوجد انسان لا تسكنه بذور الجنون بالقوة,
كما لا يجد انسان لا ينام على غرائز بدائية العدوانية,
ودور الثقافة كان دوما الحد من هذه الغرائز وتوجيهها
الوجهة الاجتماعية الملائمة .لذلك تشجع العدوانية زمن
الحرب ولذلك تقمع هذه العدوانية زمن السلم والحرث
الزرع.
بطريق القانون.

بطريقة الشرطة حماة القانون.

ان تحقيق التعادلية بين هذه الغرائز والضرورة المجتمعية هو
مقياس تقدم كل شعب. وهو المحك الدال على المستوى الثقافي
لشعب من الشعوب لأنه يشي بمدى هضم أمة من الأمم
روح القوانين العصرية.
عندما نسمع بحادثة جربة وما خلفت من قتلى وجرحى
وعندما نسمع بحوادث في مراكز الشرطة شبيهة بحادثة
الزهراء وبحادثة محطة الأرتال في تونس وعندما نرى
المناضلين المتظاهرين احتجاجا على الغارة الاسرائيلية
يعودون من الاعتقال منتفخي العيون والوجوه  يداهمنا
التساؤل عن مدى صحة البيت القديم
اذا كان رب الدار بالطبل ضاربا
تداهمنا مكيافيلية اختفاء البعض وراء البعض.
كل واحد يصبح مجرد وطبق للتعليمات
كل واحد لم يفعل غير ما أمر به
نضيع في متاهات السؤال من المسؤول؟ قاعدة الهرم
الغضبية أم رأس الهرم ؟ وهل من المعقول أن لا يكون رأس
الهرم على علم بكل صغيرة وبكل كبيرة في الهرم
الاجتماعي؟
نضيع ضمن حلقة مفرغة وخبيثة لا نعتقد أنه في الامكان
تجاوزها بغير الفصل بين السلطات حتى يصبح من الممكن
تحميل أي ممارس سلطوي للعنف غير المبرر المسؤولية
كاملة.حتى يسود القانون عى أي كان سواء كان موظفا    
بوزارة فلاحية أو بوزارة أمنية.
مثل هذا الفصل سمح في ايطاليا أخيرا بايقاف  أحد عشر
شرطيا وضابطا اثر موت معتقل تعرض للتعذيب,
واذا كان مطلب الفصل بين السلطات عندنا يبدو للبعض
ولأسباب معروفة بعيد المنال حاليا فان تأسيس نقابة للشرطة
ليست بمثل صعوبة تحقيق الفصل بين السلطات. هذه النقابة
بامكانها أن تعزل العناصر اللامسؤولة أو المسكونة أكثر من
غيرها بنزعات تشنجية مفرطة.
يامكانها أن تحدد لمنخرطيها حدود ما هي مسؤولة عنه حقيقة
بامكانها أن ترفض ما لا يخدم مصالحها المادية والمعنوية
أن ترفع من سمعة هذا الجهاز المجتمعي
أن تفرق بين ـ تجاوز السلطةـ و حالات ـالنوبات العصبيةـ اذ
لا يوجد كما سبق أن قلنا مواطن لا تسكنه غير روح التشنج
وروح العدوانية وآخر غير روح الطاعة والخضوع.
ان القضية  وعي بقيمة القانون
بروح القانون
بوظيفة القانون
وبأن كل جهاز اذا خرج عن وظيفته الأصلية فانه يصبح
جهازا معطوبا من الضروري اخضاعه لعملية جراحية حتى
لا يذهب بفعل العدوى ببقية أعضاء الجسد المجتمعي السليمة
أو تكاد.