الطريق الجديد ، 23 نوفمبر 1985
قراءات في سطور المدينة ،محمد الناصر النفزاوي

في بلاد الدوسيهات

لا نظن أن سياسة أي  سلطة حاكمة يمكن أن تخلو من منطق داخلي
ينطبق ذلك على سياسة الدول العظمى
وينطبق ذلك على سياسة الدول الصغيرة
ينطبق ذلك ماضيا
وينطبق حاضرا ومستقبلا


واذا كانت هذه السياسة تطرح قضية الأخلاق والسياسة وتفترض نظريا أن لا وجود لأكثر من خيارين اما الخيار المكيافيلي واما خيار القانون والمؤسسات فان الواقع السياسي يظهر دوما أكثر تعقيدا اذ يحاول تحقيق المزاوجة الصعبة بين الأخلاق والمكيافيلية
لذلك كثيرا ما ينهج الساسة هنا وهناك وخاصة في البلاد المتخلفة نهج ـ البطاقة السياحية ـ  دفعا للنقد الخارجي خصوصا
ولذلك كثيرا ما ينهج الساسة هنا وهناك نهج ـ سلامة السلطةـ
وما تستتبعه في الداخل من ممارسات تعود عليها العرف المحلي حتى أصبحت لونا من ألوان حياته اليومية الخانقة
من هذا المنظار الثاني كان يمكن أن نفهم منطق السياسة في بلادنا
غير أن المتناقضات قد عتمت في الوقت الراهن على المنطق السياسي
أصبح من الصعب أن يحل الانسان نفسه محل السلطة فيفهم منطقها الداخلي
لأن مثل هذا المنطق  نفسه تصور بلورته المعارضة السياسية وهي تحاول فهم ما لم يعد قابلا للفهم الا  بصورة مجملة
هو برق خلب
الدليل على ذلك أن النظام منذ قيامه كان يتصرف مع أجنحته
المختلفة وكأنها أحزاب معارضة
الدليل على ذلك أن النظام منذ قيامه كان يتصرف مع رموزه كلما حدث خلاف داخلي في الحزب الحاكم وكأنها رموز معارضة
كأنها ليست جزءا منه أو لم تكن جزءا منه
كأنها لا تلزمه كنظام لا تمثل فيه هذه الأجنحة وهذه الرموز غير أوجه متعددة لعملة واحدة
الدليل على ذلك أنه كلما خرج شق دستوري عن مفهوم ـ عصمة ـ الحزب الواحد بادر هذا الحزب ا لى ـأرشيفاته ـ فنشر عن هذا ـالمرتد ـ  الفضيحة تلو الفضيحة
الدليل على ذلك أنه كلما خرج رمز من رموز النظام الحاكم عن النظام الحاكم بادر هذا النظام باغراق جرائده والجرائد التابعة والاذاعة و التلفزة الحزبية الدستورية بما لا تكفي سنة قضائية لالقاء بعض الضوء عليه
حدث هذا في الستينات
حدث هذا في السبعينات
حدث هذا في الثمانينات
يتساءل المواطن
لم لا تثار هذه القضايا عند حدوثها  ؟
يتساءل المواطن
من من المسؤولين يمكنه أن ـ يشذ ـ  عن الخط من دون أن يتعرض ل ـ حكم الدوسيهات ـ ؟
يتساءل المواطن
 من من السؤولين كبارا وصغارا ليس له ـ دوسي ـ ؟
يصبح شعاره بعد كل هذه التساؤلات
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا  ويأتيك بالأخبار من لم تزود
ان كل حكومة تتصرف وكأنها ليست وجها من وجوه نفس النظام بل ان كل مدير سياسي يتصرف وكأن سلوك بعض المسؤولين لا يلزم كل الحزب الحاكم وكل الحكومة
كأن الحزب الحاكم وكأن الحكومة ليسا ـ جسدا ـسلطويا ان تداعى جزء منه فذاك دليل على مرض كلي
واذا كانت مثل هذه الممارسات سائدة ضمن الحزب الحاكم المهيمن على الحياة السياسية في البلاد فكيف يمكن أن نتصور ممارسات هذا الحزب ازاء المنتمين الى الأحزاب المعارضة ؟
لقد فهم أحد وزراء الداخلية القدامى القضية جيدا عندما أكثرت الصحف من التهجم عليه
ولقد حذر السلطة من مغبة الاغراق في المحاسبة
لقد كان الرجل وزير داخلية
وكان في الخارج خاصة
لذلك صمتت كل الصحف التي تشن اليوم حملة على ـ سوء تصرف ـ الحبيب عاشور
لقد قلنا في هذه الصفحة نفسها اننا لسنا  وثنيين ولسنا من عبدة الأصنام. ولأنني لست من عبدة الأصنام فأنا أعتقد جازم الاعتقاد أن لا وجود لمثالية في السياسة أو في الاتحاد
أنا أومن بشعار ـ أعطني مفيوزو أراقبه خيرا من أن تعطيني
قديسا مطلق اليدين ـ
لا أومن بالملائكة في عالم العلاقات الاجتماعية والصراع الاجتماعي
أو من بالنسبية
ومع ذلك فيجب الاقرار بأن النقابيين رغم معرفتهم بما يجري داخل الاتحاد يرون في قضية عاشور في هذا الظرف قضيتهم
كانوا ينتظرون كذلك هذه الحملة عليه
تماما كما كان هو يعرف ذلك
فالرجل ليس وليد اليوم
وهو يعرف الحياة السياسية في البلاد أكثر مما يعرفها كثيرون ممن هم في السلطة الآن
جرب كذلك نفس الممارسات التي يتعرض لها اليوم في زمن سابق
جرب سياسة ـ الدوسيهات المقبورة ـ و ـ الغبرة ـ
هذه السياسة التي ظهر تهافتها في الزمن الماضي
فكيف يمكن أن يعول الساسة وقد تطورت كل الأوضاع في البلاد على نجاحها حاليا  ؟