الطريق الجديد ،14 ديسمبر 1985
قراءات في سطور المدينة ، محمد الناصر النفزاوي

في بلاد الدراويش

مدخل
تعودت  أن لا أقرأ جريدتي ـ العمل ـ و ـ لاكسيون ـ  تماما كما يفعل كل التونسيين تقريبا
ان العمر قصير ولا أرى أنه من المعقول أن أضيع أكثر مما ضاع في قراءة النثر العكاظي  أو المدح التسولي,
كتبت مرة في العام الفارط مقالة ردا سميتها  ـ مرثية الأمل في جريدتي لاكسيون والعمل ـ  وكنت أظن أن  ـ اللبيب بالاشارة يفهم ـ  وهنا أقصد مدراء الحزب الدستوري وادارته لا الأسماك الايديولوجية الصغيرة والصحفيين الصغار فكأنني كنت أدعوهم الى أن يتخيروا على الأقل كمشرفين على أجهزتهم الايديولوجية أكفاء لغة وتحليلا   وقناعة
ولكن هل  ـ ينفع العقار في  ما أفسده الدهرـ  ؟

 

وهكذا  طلعت علينا جريدة  ـ العمل ـ  يوم 3 ديسمبر  ب ـتحليل ـ  كتبه مديرها في ركن  ـ ما قل ودل ـ  مطول هذه المرة وفي الصفحة الأولى.

 

كان تحليلا اشهاريا  وثأريا في الآن نفسه يتناول ما  كتبت عن  ـ السجن والسجون ـ  في هذه الصفحة
وكان ـ تحلبلا ـ  يدل على خواء أدبي وسياسي لا يمكن  أن يبرره مجرد دفاع  ـ مناضلي أيام الحصاد ـ  عن المناضلين الحقيقيين
كان ببساطة تحريفا لما كتبت وكان  كذلك ثلبا وسبا
كان ببساطة دعوة الى السلطة الحاكمة التي راقبت الجريدة قبل صدورها  الى أن تتخذ ضدي وضد الحزب الشيوعي وضد المثقفين التقدميين اجراءات تمنع أيا كان في المستقبل من تعرية ما يتستر عليه الحزب الحاكم
لا أحب الدراويش مهما كان لونهم
بيضا كانوا أم سودا
يساريين كانوا أم يمينيين
والدراويش عندي هم كل من يصدرون عن فكر متخشب وهم الجاهلون  بأن الانسان هو صانع كل شىء رغم محدوديته المأساوية
هو صانع  التكنولوجيا بدءا بقطع الحجر المذببة دفاعا عن النفس وانتهاء  بالصواريخ العابرة للقارات وما بعدها
هو صانع الثقافة بدءا  بغمغمات اللغة الأولى وصولا الى الانتاج الفكري والفلسفي
والدراويش  عندي هم الببغاوات يتبنون من النظريات ما لا يؤمنون به حقا
بدءا بالقميص الايديولوجي الحزبي الاشتراكي الدستوري المرقع وصولا الى النظريات السائدة في العالم
هذه الرؤية قادتني الى أن أكون متواضعا كلما تعاملت مع المفكرين حقا
والى أن أكون قاسيا فكريا عندما أتعامل مع من يظنون أن كل من ـ نصب ـ سلطويا في موضع ثقافي فهو مثقف
هذه الرؤية قادتني  كذلك الى أن أرى في يسار هذا البلد أكثر الناس قربا من منطق العصر وأن  أرى في مختلف مراكز القوى المتصارعة ضمن  الحزب الحاكم تعبيرا ميتا عن حقيقة هذه الأمة
لقد قلت في قراءة سابقة متحدثا عن مجلة ـ الفكر ـ  الدستورية
 ـ أن لا وجود لفكر بريْ ـ
لا وجود ل  ـ قطوس يصطاد لربي ـ
ويبقى السؤال
ما الذي أطمح  اليه من وراء كتابتي ؟
ما هو  ـ العظم ـ الذي أطمع أن ـ أمشمشه ـ لو ألقي الي ؟
هل أكتب لوجه الله ؟
هل أكتب  جوعا ومجاعة حتى اذا وجدت ـ عظما ـ أمشمشه
ـ قلبت ـ الفيسته ـ وأصبحت  ـ كلبا ـ ظلا لكبار الصيادين ؟
هل أنا أخيرا شبيه ب ـ مدير ـ  ـ العمل ـ  عقلية وعقلا ونفسا حتى يدعي أنه من السهل تقييم الناس وسبهم  وثلبهم مزايدة منه في الوطنية ؟
اننا نؤمن أن  ـ ا لبقرة الحلوب ـ بلدنا العزيز قد امتصت حد الدم ومثاليتنا تكمن في أننا ما زلنا نؤمن كيساريين بامكانية تخليصها من  ـ ضباع ـ  السمسرة والتهريب والمتاجرة بكل شي ء
وقد يكون من أسباب معاناتي ومعاناة اليسار  النقابي والسياسي وعدد لا يحصى من المواطنين في  هذا البلد أننا متعلقون أكثر من اللازم  ب ـ ما يجب أن يكون ـ
أننا لا نتقن الصنعة المربحة صنعة متاجرة ـ الحرة بثدييها ـ
هذا ما قصدته في مقالتي ـ في السجن والسجون ـ
تساءلت عن الأسباب  التي تدفع سجناء اليوم  السياسيين الى عتمة لا يتبينون فيها سبب سجنهم وترويع زوجاتهم وأطفالهم
قلت ان المناضلين في الماضي قد أعانهم التاريخ ومنطق العصر فاستطاعوا بذلك أن يكونوا   رموزا
وهذا ما حاول ـالمنصب الثقافي ـ على جريدة ـالعمل ـ أن يحرفه
لذلك كتب تحريفا مقصودا لمقالتي فخرج بقناعة  تأليفية مفادها أنني قصدت اهانة المناضلين والشهداء
وهكذا أبرز هذا ـ المنصب الثقافي ـ مزايدة حزبية دستورية منه هذا المغالطة في الصفحة الأولى من جريدة ـ العمل ـ وبشكل مطول خرج به عن حدود ما يكتب  من انشاء في ركنه ـ ما قل ودل ـ  فاستثار بذلك بعض المناضلين ممن أحسوا نتيجة هذا التحريف أن هناك حقا اهانة مخزية للمناضلين
ولو قرأ هؤلاء حقا ما كتبت لتأكدوا أنه لا يمكن لرجل مثلي أن يحط من قيمة من مات شهيدا
ومن سجن  دفاعا عن قضية
سواء كان دستوريا أو شيوعيا
انني أنفي نفسي بنفسي لو كان ذلك مقصدي
ينفيني كذلك من يقرؤون هذه الصفحة وفيهم من الدستوريين عدد غير قليل
لا يمكن للانسان أن يكتب الا اذا كانت له رؤية معينة ومتكاملة
واذا كان يتناقض بين المقالة والمقالة فهو لا شك يكتب استجابة للطلب
لسنا من بني وي  وي في هذه الصفحة
 لا ننتمي كذلك  لفصيل  ـ  العرجاء والنطيحة ـ الثقافي
لم  ـ ينصبنا ـ أحد ولا نتعيش من الكتابة
نؤكد ذلك من دون   أي تواضع
 لا فكر غير الفكر اليساري الذي ليس في حاجة الى أي  تزكية سلطوية يعبر عن حقيقة هذه الأمة حاليا
لذلك فهمنا جيدا  أبعاد مغالطة جريدة الحزب الحاكم
لم تكف مراقبة وزارة الداخلية قبل صدور الجريدة فعمد هذا ـ المنصب الثقافي ـ الى استعداء منظمة المناضلين علينا
وعوض أن يوظف قلمه لتحليل مضاعفات الغارة الاسرائيلية الأمريكية على حمام الشط أو ما يمكن أن تقود اليه محاولات تفكيك الاتحاد العام التونسي للشغل...فضل أن يشخص اهتماماته فاذا قضيته الأولى هي محمد الناصر النفزاوي.

ملاحظة :

  بتاريخ  اليوم 25  سبتمبر 2014     هذا ـ المنصب ـ هو أحمد القديدي .ولقد سمعت هذه الأيام أنه  من قياديي حزب الشاب سليم الرياحي  الذي يطمح  ـ وهذا من حقه ـ الى تولي رئاسة الجمهورية التونسية.