الطريق الجديد ، ديسمبر 1985
قراأت في سطور المدينة ، محمد الناصر النفزاوي

من لغو الليبدو  الخطابية

ما زلت أتساءل منذ مدة لم تعد بالقصيرة عن  الجدوى من الكتابة ؟
أتحدث عن   القراأت في هذه الصفحة اذا كان لا بد من حصر الكلام في الذات.
اذا كان الأمر يتعلق بالتنفيس عن النفس فان ذلك يصبح  يصبح بمر الزمن مرضا كغيره من الأمراض
يصبح شبيها بالرئة الاصطناعية أو بقصبة التنفس تغرز في  رقاب كبار المدمنين ممن لم يعد يرجى شفاؤهم.
كل شيء اذا امتد وتكثف وتراكم قد يتحول الى ورم
حتى الايمان

أما اذا كان الأمر يتعلق بتحسيس الناس فما أظن اليوم من هو في حاجة الى التحسيس   اذ الوضع  ـ  أصدق انباء من الخطب ـ  ولا شيء  أبعث على القرف من  فكرة  ـ رسالة الأديب ـ  التي كان يتعيش منها متضخمو النفوس وكبار الجرحى النفسيين في عصر لم يعد قابلا بأدباء لا يفقهون شيئا من الاقتصاد  والسياسة  والاعلامية.
وتحسييس الناس  يفترض بعد ذلك  أن يكون هناك طرف يملك قدرا كافيا من الوعي وطرف متقبل يفتقر  الى رؤية  واضحة  أو على الأقل الى طريقة تمكنه من تصفية المعلومات التي يزخر بها الواقع السياسي والاجتماعي وتصفيتها ثم القيام بعملية تأليفية نهاية الأمر
والوقع غير ذلك فنحن نكتب لمن هم منا ونحن منهم ثقافة وانتماء
أما من عداهم من التونسيين ـ  هذا الكم الهائل الذي هو أحد طرفي التعادلية السياسية ـ  فهو بعيد عن رؤانا
الا من شذ  منه
هو يتغذى من  ـ قلوب في جحيم ـ  أي من الواقع الذي يعيش أكثر مما يتغذى من المقالات المعقدة حول  ـ المرأة متعددة الأبعاد ـ
حدثه  عن ماري كوري وجائزة نوبل في الفيزياء
حدثه عن تيرشكوفا وأول رحلة نسائية في الفضاء ولسوف يبتسم  
هو يتغذى من  /كلمة منك / همسة منك / لمسة منك / ذائعة  الصيت رغم ما يحيط بالعبارة الأخيرة من معان جافة لا تقبلها القيم العربية الاسلامية التي تتشيث بها الاذاعات العربية الاسلامية أكثر مما يتغذى من أغاني  مرسيل خليفة أو الشيخ الامام أو جاك بريل
وهو يتغذى  من برنامج  / لو سمحتم الترفيهي / و / بلادي وفاء و وعود التوعوي / الذي يحاول أن يقنع المتفرجين بروعة النساء /حمالات  الحطب / في بلطة الجندوبية و / أصالة و / رجولة / و / كرم / نفزاوة المسكينة الساكنة التي ستعرف بعد نصف قرن من الاستقلال.. بعض  الحفارات المنقبة عن المياه وقد استحال عليها أن تحصل على استثمارات تمكنها من أن تتحول من / منطقة / شيوخ يحرسون / الأهل / في غياب الشباب المشتتين في بلاد الهجرة الى منطقة ثغر للوطن حقيقة أكثر مما يتغذى من مراجع يسترقها الانسان من هنا وهناك تكشف عن الوجه الحقيقي / للسواحل والدواخل /
والسيب في كل ذلك واضح
حزب دستوري يستمد بقية حياته من تحريف  الوعي الشعبي وتعليبه
ومثقفون يساريون وان اختلفوا  رؤى فهم يصدرون عن ـ ضغط ـ اذا كان في امكانه أن يجد تعاطفا عند  نوع من المثقفين وفي أوساط اجتماعية وسطية فهو لن يستطيع النفاذ الى أبعد من ذلك لأنه عجز عن التفطن ـ أو الاقتناع ـ  الى أن المجتمع التونسي ومهما قيل فيه  ما زال مجتمعا  ريفيا في الريف شبه  مديني في المدينة ان استثنينا بعض الجيوب الصغيرة  هنا وهناك وكلها جيوب تستشري في كثير من أفرادها علامات  الاستلاب و الخوف و الارتداد جميعا .

ان البلد يعيش منذ الاستقلال تركيزا على جناح من أجنحة الوطن الصغير حجم  دور الأرض والقلب والريف ولقد كانت أولى تجربة وآخر تجربة لتجاوز هذا الوضع تجربة الستينات المحبطة
رغم ما آلت اليه هذه التجربة
رغم ما قيل عنها
من ينظر الى البلدان المجاورة سوف يتأكد مما أقول
لن أومن البتة أن الفكر وحده  أو الثقافة يمكن أن يكونا المعيار الأوحد
التربة والفكر متزاوجان هما البدء
اننا في محيط مغربي سوف يتدخل في المستقبل للتحكم في أغلب أوراق اللعبة
الاجنحة  تعني البحر  وما وراء البحر
والشواهد على ذلك الآن كثيرة
الأجنحة لا تثير في ذهني تاريخيا غير صورة الرومان و الفنيقيين
لا تثير صورة البربر أو العرب
والدواخل تعني الشمال الافريقي مستقبلا أوحد
مستقبلا لبنة في صرح أمة عربية تقدمية يسارية
لأن المغرب العربي على أساس برجوازي لن يبنى لا نهاية القرن ولا بعده
كان يمكن ذلك بدايات  الاستقلال لولا ثنائية العمق والجناح
والدواخل والمدينة شبه الريفية على ما ذكرنا من الوعي المحرف
اننا ازاء وضع لا مثيل له تاريخيا
لم يفهم ذلك الكثيرون
لم يفهموا أننا نهاية القرن العشرين سوف ـ نتوفر ـ  على ملايين من الآباء  والأمهات لا يتعدى مستواهم الابتدائية.
هؤلاء هم العدد الفاصل وهؤلاء هم الكم الحكم
وهم لن يقرؤوا فلسفة المثقفين اليساريين بالطريقة التي يعرضونها بها اليوم  لا اليوم ولا بعد خمسة آلاف يوم
فما الذي أعددنا لهم وما كل انتفاضة تدل حقيقة على تطور؟

ان هذا لهو السؤال وهو لعمري سؤال يجب أن تتضافر جهود المثقفين للأجابة عنه حتى لا تظهر الحقيقة عارية حقيقة أننا لم نفعل في ثلث قرن أكثر من الدوران حول وهم أن نمط الوعي والفعل ما كانا وكما هما عليه الآن هما المثاليان والكفيلان عندما نلبسهما للناس /وكيف ؟ / باخراج البلاد والعباد من احباط لاشيء أخطر منه.