الطريق الجديد، 25 جانفي  1986
قراأت في سطور المدينة، محمد  الناصر النفزاوي

بلـــــــــــــوكاج


لا أحد في المدينة يروق له الابتسام كلما كان حديث عن الوضع في بلادنا.
كل الناس تحولوا الى  سؤال حول  مستقبل البلاد في الزمن القصير القادم.
انها حيرة تشي بتهافت حقيقة ـ المجتمع المدني ـ عندنا.
فهل يمكن أن يخطئ كل الناس تقريبا في تقييمهم للأمور ويصيب مركز من مراكز القوى في السلطة الحاكمة ؟

لا نظن ذلك ممكنا.

 

وضع اقتصادي خانق كل الدلائل تشير الى مزيد من تعقيده في الربيع..
أسعار فاحشة قررت الزيادة فيها وأجل مفعولها تطيرا من هذا الشهر ـ الحرام ـ
جيوب مثقوبة خاوية أو تكاد حتى عندما نتحدث عن الفئات المتوسطة حيث ترتفع نسبة اشتغال الزوجين معا.
لا نتحدث عن الأجراء ممن يتقاضون السميغ.
ولن نتحدث عن البطالين والمرضى والمعاقين والشيوخ.
هؤلاء جميعهم لا يعلم غيرهم كيف ـ يعيشون ـ

لا يشذ عن هذه القاعدة الا من اتخذ من ـ العجين ـ  من دون لحم أغلب الأحيان مبدأ له في الحياة  المعدية.
من من الناس  يمتلك شبه سيارة أصبح كثيرا ما يقتصر على استعمالها نهاية  الأسبوع وحدها لا أدري كذلك لم ؟
من من الناس يمتلك منزلا فتح في جانب منه ـ حقة ـ  حولها  للكراء أو لبيع ـ اللبلابي ـ أو للحليب  أو للحلاقة  بحثا  عن ـ مورد رزق ثان ـ  يربأ به ثغرات العمر المالية.

وضع سياسي خانق كله تأهب أصبحت تسود فيه عبارات كنا نظنها حكرا على الشرق أثناء الحروب  العربيةـالاسرائيلية كعبارات ـ الاستنزاف ـ و ـ التطبيع ـ سيء السمعة و ـ سياسة الأمر الواقع ـ و ـ الهروب الى الأمام ـ وخطب مشحونة شعرا يذكر بحرب البسوس...

وضع ثقافي لن أكون على أية حال من القائلين انه يمثل نكوصا الى عصور ثقافة  المدح والكسب والتقية جميعا.

واذا كان هذا الثلاثي الاقتصادي السياسي الثقافي على ما ذكرت فأي  حل يمكن أن يمثل تجاوزا سلميا لهذا الوضع ـ المأزق ـ وفي أية أيد يوجد هذا الحل هذه الأيام على الأقل ؟

ان الاجابة عن السؤال الأول أصبحت موضوعا يوميا لصحافة المعارضة ، وهي تجد لها صدى حتى عند عدد من الحزبيين  الدستوريين تفطن  البعض منهم منذ بداية اشتداد الأزمة عندنا والبعض الآخر أثناءها الى أن الحزب الدستوري  أمام خيارين

اما أن يقبل بمنطق العصر و اما  أن يلفظه العصر

فكان أن  ـ مال ـ هذا البعض الى الخيار الأول بما يمكن أن يقود اليه من تمثيلية  صحيحة للطبقات الاجتماعية للجهات ومن تطبيق فعلي لمبدا الفصل بين السلطات يسمح بالقضاء نهائيا على الخلط المقصود بين أجهزة الحزب الحاكم وأجهزة الدولة التونسية.

مثل هذا الخيار  ـ الأول ـ نعرف أن الكثيرين في السلطة  الحاكمة حاليا وفي حاشيتها وبيروقراطيتها الطفيلية ـ قاومته ـ بخشونة  لمضاعفاته المستقبلية وحتى الرجعية على مصالحهم وتجاوزاتهم.. وهو ما يقودنا الى محاولة الاجابة عن السؤال الثاني أي
في أي أيد يوجد مفتاح الحل هذه الأيام على الأقل ؟
 ان اختيارنا الديمقراطي رغم وجودنا في بلد من بلدان العالم الثالث يدفعنا  الى رفض التحولات بطريق العنف الدموي. واختيارنا هذا هو الذي يجعلنا الى حد اليوم ندور  ضن حلقة  مفرغة نكتفي بتكرار ـ الأماني ـ  في مواجهة سلطة حاكمة متفتتة  باطراد  لم تكف في يوم من الأيام عن استعمال كل ما بحوزتها من وسائل قمعية لضرب  الاختيار الديمقراطي ودعاته من الأحزاب السياسية  اليسارية والاتحاد العام التونسي للشغل فهل نكون  قد أخطأنا  حقا في انتهاج هذا المسار ؟
انني  شخصيا لا أرى ذلك اذ لا توجد قوة منظمة في هذا البلد باستثناء الجيش  ونحن انطلاقا من تفكيرنا نخشى كل مؤسسة غامضة الملامح ونخشى كل  اسقاط سياسي.
واذا كنا اليوم  نبدو وكأننا دعاة أمل فذلك ايمانا منا بأنه قد يحصل للجميع وعي بأن طريق الديمقراطية مهما كانت نقائصها  ـ اذ الممارسة  ليست بسرعة  نضج الفكر ولا بصفائه ـ  أفضل من مفاجآت العسكرية غير أن أملنا هذا قد بدأ يأفل فالوضع السلطوي رغم ما قد يظهر للبعض من قوة نسبية نتيجة  هيمنة  أحد مراكز القوى على مناطق نفوذ جديدة في السلطة أصبح يتميز بهشاشة  مقرونة  بغرور  ونقص  في النظر لا يمكن أن يقودا في المستقبل القريب الا الى مغامرات لم يعد يقبل بها أحد .