الطريق الجديد، 1986
قراءات في سطور المدينة، محمد الناصر  النفزاوي

في الكبت والتجاوز

لا شيء يضيع ولا شيء يخلق من عدم. ان كل شيء يتحوّل ـ
قولة الكيميائي  لافوازييه    هذه في الامكان أن نطبّقها نفسيّا واجتماعيا على الانسان الفرد وعلى المجتمع على حدّ سواء
اذ لا ظاهرة اجتماعية تنبع من لا شيء ولا ظاهرة يمكن أن تمّحي نهائيا.
وما قد يظهر من اختفائها انما هو مجرّد عمليّة تشكل  جديد
ينطبق ذلك بوضوح على ظواهر العنف خصوصا ، هذا العنف الذي يتّـخذ أشكالا عديدة.

 

قد يمارسه تاجر عندما يرفع أسعار مبيعاته بشكل مشـطّ

قد يمارسه العرف  على العامل عندما يطرده بغية تجويعه لأنه طالب بحقوقه
قد تمارسه الاذاعة والتلفزة عندما تتسلّل الى منازل الناس فتغرقهم بمعلومات زائفة
قد يمارسه أصحاب الأعمال الحرّة عندما يتهرّبون من دفع الضرائب
قد تمارسه السلطة السياسية عندما تضطهد بشكل أو بآخر معارضة سياسية
عندما توقف تعسفا جريدة معارضة.
وهذه الأشكال وغيرها لا يمكن بأية حال من الأحوال أن لا تحدث ردود فعل.
لا يمكنها أن لا تولـّد حقدا وعنفا مضادا تختلف طرق التعبير عنهما انطلاقا من نوع توازن القوى
و لا يمكن للحقد والعنف ان وجدا أن يمــّحي أثرهما فهما وان لم يظهرا  على السطح لسبب أو لآخر يتسرّبان الى كل شيء فيحوّلانه نارا كامنة
والحقد والعنف يفرزهما كل كبت مشطّ لا يبرّره الانسان عقلياّ
سواء أكان كبتا نفسيا
أو كان كبتا ثقافيا
أو كان كبتا سياسيا
أو كان كبتا اقتصاديا
ونمط الكبت الأخير يبدو مصدر أشكال الكبت الأخرى وسببها
نراه في الوجوه الصفراء لا تأكل على قدر حاجتها
نراه في الأكواخ والأحياء الشعبية حيث يسود ثلاثيّ الجهل والفقر والمرض
نراه في  البطالة
نراه في عدد البغايا الضخم
نراه في استغلال الأعراف الفاحش للعمال
نراه في كل وجه بشع
لذلك فهو لا يمكن في أغلب الأحيان أن يفــرّخ غير  روح عدوانية تتسرّب الى كل شيء والى كل مكان
تتسرب الى المحاكم
تتسرّب  الى المدارس والمعاهد
تلوّث كل حركة في الشارع وكل سلوك
قصص أبناء القابسية والمستيرية والباجية شاهد على ذلك
قصص العنف اللفظي وغير اللفظي  تشهد عليها كل طاولة كل حائط وكل مدرسة
قصص الشارع السوسي والعاصمي لا  تحتاج الى بيان
ولا تهم الخطب الوعظية هنا لا قليلا ولا كثيرا لأن العنف مشروط بوضع مصلحي لطبقة ما والمصالح قليلا ما تعايش الأخلاق
ان الصراع كان دوما حاضرا
يظهر على السطح حينا ويترسب في القاع حينا ولكنه لا يخمد أبدا
يترسب في القاع بفعل الايديولوجيات الماورائية التعويضية
بفعل جهل الطرف المقهور أن وضعه ليس طبيعيا ويظهر على السطح كلّما خمدت قوّة الايديولوجيات الماورائية التعويضية
وعندها قد يكون نكبة وقد يكون فرصة تحرّر جماعي
يكون نكبة عندما يفتقر الى الوعي والتوجيه فينصهر في بوتقة لا تشبهها الا هـــزّة 3 جانفي الخبزية وما شابهها
ويكون فرصة تحرّر جماعي عندما يتوفّر وعي كفيل بتحقيق تجاوز أشكال الحقد والعنف  البدائية التي تحوّل كبت الانسان الى ردود فعل تآكلية فيصب المعذبون أحقادهم على بعضهم البعض : الرجل في المرأة و الشرطي  في المتهم و المدرس في التلميذ
انه الفرق بين الثالث من جانفي وكل حركة واعدة بل هو المسافة الفاصلة بين الغريزة الأخلاق .