قراءات في سطور المدينة ، 1986

قراءات في سطور المدينة، محمد الناصر النفزاوي

 

" ان صرت أقلّية فلا نـــزل القطـــر "

 

نهاية القرن العشرين وبجوار أوربا التي دخلت ثورة صناعية جديدة وفترة تحوّلات اجتماعية عميقة يصرّ الحزب الاشتراكي الدستوري على الغرق في خرافة  " لولاي لما كنتم "

انه يكاد أن يدعي أنه لولاه لما نزل المطر ولما نبت الزرع ولما كانت الفصول كما هي عليه دائما

وتبحث عن ـ لولاه ـ هذه فترى أن بلاد العالم كلّها تقريبا قد استقلّت سياسيا بثورات تحريرية أو بحركات وطنية ـ ومنها تونس ـ بل ان البعض منها قد ـ أجبر ـ  من طرف المستعمرين على ـ الاستقلال ـ لأن الاستعمار الجديد قد حدس منذ بداية العشرينات أن الاستعمار العسكري غير مربح البتة وأن الاستقلال ـ السياسي ـ لا معنى له من دون استقلال ثقافي واقتصادي

أليست الآن كثير من البلدان ـ المستلقة سياسيا ـ تدعومستعمريها القدامى للدفاع عنها من خطر خارجي أو داخلي فترفض هذه البلدان الاستعمارية تلبية الطلب ؟

 

لنتصوّر عندئذ كائنا سياسيا مختنقا اقتصاديا وسياسيا ـ يعالج ـ الفـدّة ـ اما  بالتغني ب ـ فترة الشباب ـ وامّا  بادعاء أن  جسمه قد أشرف على الهلاك  بسبب  ـ عين أصابته ـ…

هذه هي الخرافة زمن اصلاح الكواكب في .. الفضاء

 

الانحراف السلطوي

 

الشعوب زمن ـ الاستقلال السياسي ـ شبيهة بالأطفال تحتاج ، لنقص في وعيها ، الى أحزاب سياسية كارسماتية  تداوي محدودية نمو وعيها ب ـ طبخات سحرية ـ

ولكن  ظروف التغيير العالمية والضغوط الاقتصادية تعجـل من انضاج  وعيها فاذاهي تتساءل:

لماذا يحارب الناس الاستعمار ان لم يكن ذلك من أجل تغيير  ظروفهم ، ظروف جميعهم ؟

تتساءل عن ـ مردود الاستقلال السياسي ـ على المستوى النفسي والجسدي والعقلي للانسان  وعلى المستوى الاقتصادي للجهات

فاذا رأت الفارق بين الوعود و المنجزات  كبيرا سحبت ثقتها من ـ المطربين السياسيين ـ في عصر  يرفض  أن تدوم أغنية أم كلثوم ساعة والفلم المصري  التجاري ثلاثا وعشرين  حلقة والمسلسل التخديري الحزبي الاشتراكي الدستوري أكثر من ربع قرن.

 

وهنا لا يوجد أكثر من توجهين :

اما أن يطوّر الفلم المصري التجاري محتواه وينقص من عدد حلقاته والحزب الاشتراكي  الدستوري نظرته الى السياسة والمجتمع والماضي والحاضر والمستقبل بما يتفق وطموحات أغلبية التونسيين فيضمنان معا ـ الفلم المصري والحزب الاشتراكي الدستوري ـ بقاء  نسبيا على الساحة الاجتماعية والثقافية واما أن يتجاهلا الحقيقة اعجابا متغابيا بسياسة النعامة وهي تغرس رأسها في الرمل فتكون النتيجة أن يعمد الحزب الاشتراكي الدستوري الى سياسة ـ اشرب والا طيـّر قرنك ـ مستعملا نفس الوسائل التي يلجئ اليها اليأس بدءا بالتقوقع حول الذات مرورا بلفظ الدواء وصولا الى حالات ردود الفعل الهستيرية

 

التقوقع حول الذات

 

ان انحسار شعبية الحزب الدستوري جعلته يرى وراء كل شجرة خطرا مترصدا خاصة بعد أن قاس نسبة تمثيله للتونسيين عقب انتخابات 1981.فكأنه لم يكن يتصوّر ـ وهذا ما يدعو الى العجب ـ أن ممارساته طيلة  ربع قرن سوف تفرغ كل شعار تبناه  من أي محتوى

 

لقد استصغر الشعب الى درجة أنه كان يدعو الى الشيء وضده:

كان يدّعي تساوي الجهات والمساواة بين التونسيين ويميّز بين الجهات والتونسيين

كان يدّعي حرية المعتقد ويضرب كل اعتقاد مخالف ويكرّس مقولة ـ امّا حزبي دستوري وامّا لا وطني ـ

كان يدّعي  الشرعية ويزيف الانتخابات على مرأى ومسمع من التونسيين وغير التونسيين

كان يدّعي الدستوريّة ويدوس كل القوانين الدستورية

كان يتغنى بنظافة اليد وليست قضايا تهريب أموال الشعب بقليلة

كان يدعي الوضوح في السياسة وما تمـّر عشرية الا كانت نهايتها فاجعة

 

فأيّ شعب على الأرض يمكن أن يتحمّل من دون ضرر قاتل التبعات الاقتصادية والعقلية والنفسية ل ـ وقفات التأمل ـ الحزبية الاشتراكية ؟

والآن يعجب هذا الحزب الحاكم ، وهذا ما يدعو الى العجب ثانية , من  أن يطلب الشعب التونسي ممارسة الرقابة على كل شيء وعلى أي مسؤول مهما كانت مكانته  في الهرم السياسي شعاره ـ ان كنت قديسا  فدعني أراقبك  ـ

 

الحزب الاشتراكي الدستوري يرفض ..الدواء

 

لو تقدّم الحزب الاشتراكي الدستوري لانتخابات حرة فقد يحصل على نسبة تمكّنه من البقاء على الساحة السياسية. الا أنه تعوّد على ـ الكل ـ ، على نسبة 99,99 من أصوات التونسيين وليس من السهل على من حكم البلاد حكما مطلقا أن يفرّط بمحض ارادته في مطلقية الحكم

لذلك ليس  غريبا اصرار الحزب الحاكم على استعمال وسائل القمع المادية منها والمعنوية للابقاء على حكم مطلق قد تجاوزه الزمن.

غير أن ما يبعث على الخوف انما هو جــرّ البلاد بمختلف جهاتها نحو تصادم جهوي وسياسي لن يخرج منه أحد سالما.