ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في 8 جويلية 1986 أقال الحبيب بورقيبة   محمد   مزالي   من رئاسة الوزراء وبذلك تنتهي القراءات التي كتبت في نقد سياسته
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الطريق الجديد -  1نوفمبر 1986
قراءات في سطور المدينة، محمد الناصر النفزاوي

في انتظار العاصفة

هذه المقالة أعيدت صياغتها مرّتين في أقلّ من أسبوع حتّى تساير الأحداث.
كانت الصياغة الأولى متفائلة بما فيه الكفاية لأنها اعتمدت خطاب الحزب الدستوري في ـ وقفة تأمله ـ الجديدة وفي تأكيده على أن الانتخابات التشريعيّة  سوف تجرى في ـ كنف القانون ـ
كانت صياغة تودّ أن تكون عمدا حالمة
كانت صياغة تحلم بأن تكون الخمسة آلاف    يوم  ا لتي تفصلنا عن القرن الحادي والعشرين مجالا لانتصار منطق المجتمع المدني على منطق ـ بعدي الطوفان ـ وأصيب هذا الأمل في الصميم نتيجة أخبار من هنا وهناك أكّدت أنّ ما نحلم به لا يعدو أن  يكون برق خلّب

ذاك هومصدر التشاؤم المشروع الذي يغمر روح الكاتب وهو يعمد الى هذه الصياغة الجديدة

كان يتساءل وهو يرى عيون مترشّحي القيروان المعارضين المنتفخة نتيجة هجمات المليشيا :
هل قدّر لهذا الوطن الصغير ألأ يعرف   غيرالصّغار ؟
هل قدّر لقواه الحيّة ألا تعرف غير الاحباط تلو الاحباط ؟
هل قدّر للأرض الثقافية والسياسية التونسيّة ألا تعرف غير نبت السباخ وخنق كلّ زرع مانع للتصحّر في المهد ؟
كان يتساءل وهو يرى الآلاف المؤلّفة من المثقّفين المعارضين من مختلف الاختصاصات يمنعون حتى من الحصول على ..بطاقات الانتخاب في دوائهم الانتخابية لأن المشرفين  على العمليّة يخشون أن تكون كلّ هذه الأصوات لصالح قوائم المعارضة
فكيف يمكن لحزب حاكم أن يتّخذ من ـ المراهنة على المستقبل ـ علما وتكنولوجيا وثقافة شعارا له وأن يهمّش حملة العلم والتكنولوجبا والثقافة ؟
كان يتساءل وهو يرى الاحباط الشامل  والكثيف يمسّ  بجناحيه الغربانيتين حتّى الصغار
أيّ مستقبل ياترى يضمنه حزب لا يقبل بقوانين الحياة والطبيعة:
أن كلّ شيء ، ومنه الحزب الحاكم ، يولد وينمو ويشيخ ويموت
ولقد عرف هذا الحزب فترة ولادة  ونشوء فلم لا يعترف اليوم  بأنّه يعيش  حالة هرم وشيخوخة دلائلها لا تعدّ ولا تحصى
منها هذه العصيّ التي انهالت على مرشّحي المعارضة في القيروان والتي لا تحتاج اليها الأحزاب المريضة الا عندما تبلغ حالة من المرض يصبح معها الدواء العاديّ غير ذي مفعول
لقد كان اعتقادنا دائما أنّ من حقّ كلّ خليّة مثقفة وقادرة في المجتمع أن تناضل  من أجل توظبف جيّد لطاقاتها بما يكفل تحقيق اشباعها
المادي والمعنوي من ناحية  وخدمة الآخرين بشكل متحسّن من ناحية ثانية
لنسمّ ذلك الطموح أو الغاية من وجود الانسان الواعي المثّقف
ولقد أصبح اعتقادنا الآن أن من واجب كلّ خليّة مثقّفة وقادرة في المجتمع أن تناضل من أجل مجرّد ضمان بقائها وبقاء المجتمع
ولنسمّ ذلك غريزة المحافظة على الذات أو حتّى  الخوف من الخطر الأكبر
انه لم يعد من الممكن اليوم أن نطمح الى دور الربّان وقد جنحت السفينة التي تقلّنا جميعا في حتميّة نحو الصخور
لم يعد هناك مجال للتضخم النفسي والقيادي
عندما يخسر جيش ، أيّ جيش ، الحرب تتساقط  النياشين ويصبح من الضروريّ أن ينزع الضبّاط والجند ـ بدلاتهم ـ ليعوّضوا المرتبيّة القديمة بنمط من العلاقات جديد
ينطبق ذلك لا على أحزاب المعارضة وحدها لكن على كلّ الخلايا الوطنيّة حقّا في البلاد وهو ما بدت علاماته تظهر أخيرا لتقف في وجه الاحباط الشامل:
لقد رأينا المعارضة ، منظمة كانت أم لم تكن ، ورأينا الكثير من النقابيين والمستقلّين يشعرون لأول مرّة أن الرهان الحالي يتجاوز الاختلافات الثانوية التي كانت تفرّقهم فاجتمعوا عند حدود دنيا لا أظنّ الا أنها سوف تتّسع فتضمن قدرا كافيا من الصمود ضدّ عمليّة تسريع تفتّت خلايا الجسد الاجتماعي وأعضائه وهو تسريع ان نجح نهائيا فلن يكون مصير البلد في الأمد القريب الا العسكرة   واللبننة
وعندها لن تصلح حتّى محاسبة المتسببّين في هذا المصير ترياقا شافيا  من هول المستقبل.