الطريق الجديد ، 5 نوفمبر 1987
قراءات في سطور المدينة ، محمد الناصر النفزاوي

حتّى لا نزرع في  البحر(1)

تلامذة من المرحلة الأولى يقفون من المرأة مطلقا موقف الكهل غير السعيد عاطفيّا يصبّ غضبه على كلّ ما يذكّره برائحة المرأة
تلامذة من المرحلة الأولى لا يكتب الكثيرون منهم جملة واحدة سليمة يحدّثونك بفصاحة عن الآيات والأحاديث المنحولة عن ـ كيدهنّ لعظيم ـ و ـ ما اجتمع رجل وامرأة الا كان بينهما الشيطان ـ ويكتبون على جدران المراحيض وأبوابها وفي محطّات القطار ـ كلّهن...ـ
تلاميذ من المرحلة الأولى يتّهمون المرأة بأنّها استحوذت على فضاء رجاليّ هو الشغل ويرون أنّ أفضل أدوارها هو البيت والعناية بالأطفال ولم تعد تصدمهم كما كان الأمر منذ عقدين من السّنين دعوة تعدّد الزوجات
تلاميذ من المرحلة الثانية يناصرون ـ اليوم ـ الشيخ ابن مراد ضدّ الطاهر الحدّاد


لقد كتبنا منذ سنين في هذه الجريدة مقالات عديدة حول جوانب هذه المسألة ولكنّ الأمور منذ ذلك الوقت تطوّرت بشكل يبعث على الخوف
كتبنا ـ صورة المرأة في الكتب المدرسيّة ـ وأثبتنا بالشواهد خطورة بعض النصوص المدرجة في برامج الدراسة فلم ينصت الينا أحد
كان القوم مشغولين بمقاومة الاتحاد العام التونسي للشغل وتشويه سمعة المدرّسات ـ كثيرات الولادة اللائي يضعن على التلاميذ آلاف ساعات الدراسة ـ وأعطت الحملة السياسيّة ـ أكلها ـ اليوم
كتبنا ـ المثقّفات والكلاب ـ على امتداد عددين وبقيت دار لقمان على حالها
كتبنا ـ في رحاب المورمون ـ وبيّانا في هذه المقالة أن المسلمين الذين كانوا يعدّدون الزوجات لم يتجاوزوا نسبة تسعة في المائة وهم من التجار أي الطبقة المالكة لرقاب الناس رجالا ونساء وجواري وخصيانا وأن من يدعون الى تعدد الزوجات يخيل اليهم أنّ أجدادهم وجدّاتهم كانوا من سلالة الفاتحين والأمراء مالكي الجواري والسراري لا من العبيد وما أكثرهم ولا من الجواري وما أكثرهن وأن من يملك عشر نساء انما يشبه في وضعه من يملك عشر فيلات على حساب من لا يتزوّج
ـ نصف امرأة ـ ولا يملك شيه كوخ
وذهب كلامنا ـ الزبد جفاء ـ
وقلنا ان ملايين من التونسيين سوف لن يكون مستواهم الثقافي  نهاية القرن العشرين أي بعد أكثر بقليل من أربعة آلاف يوم أكثر من الابتدائيّة وأن هؤلاءيمثّلون تربة خصبة حرثتها أيدي السلفيّة منذ ثلاثة عشر قرنا وتمثّل قوّة عدديّة ضاربة لو قدّر لرؤية سلفيّة ـ جديدة ـ أن تسوسها وتحقّق لها امكانيّة استفتاء عام حول المرأة مثلا
ولكنّ كلامنا كان كلام من يزرع في البحر
وها نحن اليوم نرى تلامذتنا يتحوّلون من صفحة شبه بيضاء الى ما يشبه اللوح المحفوظ المسوّد بألف قصّة وقصّة عن عصرعصرالسعادة الماضي الذي كانت فيه المرأة تتنزّل منزلتها الطبيعيّة والذي تدنّسه أفكارالمتغرّبين والملاحدة واللائيكيين الخ
لقد كنت من أشدّ المستاكفين من استعمال ألفظ قويّة كلفظ  ـ الظلامية ـ وأرى نفسي اليوم ومع تقدّم العمروالعزوف المتنامي
عن الكتابة السجالية مضطرا الى أن أدرج مثل هذه الكلمات في قاموسي لأنها تبدو لي أثر تعبيرا من غيرها عن استفاقة قيم ما كان أحد يظنّ أن هناك امكانية لبعثها وغرسها حتّي في أذهان الأطفال الصّغار
ومن يكون المسؤول ياترى ؟

ــــــــــــــــــ
الجزء الجزء الثاني من ـ حتّى لا نحصر في البحرـ نشرت في الطريق الجديد في الأسبوع الموالي
ـــــــــــــــــ

ان القضيّة تتجاوز ، في نظري ، تعيين مغتصبي عقول الصّغاروأنا أقرف  منهم سواء أكانوا من اليمين أو اليسار ولكنّني أقتصرعلى القول انّ كلّ التصوّرات حول المرأة ليست تعبيرا عن نزعة عدائيّة طبيعيّة ازاء المرأة اذ توجد أيد كثيرة تلوّثت في القضيّة ليس أقلّها تأثير الحزب الاشتراكي الدستوري الذي عمل منذ ثلاثين سنة على بلورة نمط من النساء يستدعي الكثير من التفكير وهو أمر ساهم بقدر كبير في زرع بذور الارتداد حتآ عند من ذكرت من الصغار فانغرست في أذهانهم الفتيّة سلفيّة لا يعون خطورتها واتخذ التاريخ في تصورهم شكلا  ثنائيّا قوامه ماض مثاليّ تجسّدت فيه القيم الانسانيّة وحاضر لا يبشّر بخير

ان القضيّة أصبحت خطيرة ولا بدّ على المشرفين على وزارة التربية القومية ـ أي السلطة السياسيّة في نهاية الأمر ـ أن يعوا أبعاد هذه المسألة فيعملوا على اتّخاذ الوسائل الملائمة حتّى نحصل على تلاميذ فمواطنين لا يرون الحياة والحضارة سواء  كانتا اسلاميتين أو غربيتين بمثل هذه القطعية الاطلاق
وأعتقد أن الأمر يمكن أن يواجه وان كان ذلك بصعوبة كبيرة اذ الذهنيات لا تتحوّل بين عشيّة وضحاها
وما برز الآن على السطح بقي في حالة اختمار لمدّة طويلة وساهمت فيه عناصر عديدة لا ترفض أخلاقيا قولة ـ الغاية تبرّر الوسيلة ـ
انّ المطلوب هو فتح ملفات تلفزيّة تناقش هذه القضيّة بصراحة من دون خشية أن تصبح هذه القضيّة ملفا يكرّس حضور السلفيّة ويوسّع اعلامها
التونسيّ قد يتعاطف مع الفكرة عندما تكون فكرة  ولكنّه  سرعان ما ينبذها عندما تصبح خطرا عليه
وما نظنّ أنّ أبا أو أخا أو امرأة يمكن أن لا يتقزّز من رجل متزوّج يطرق بابه ليطلب يد ابنته اليافعة والأمثلة على زلك كثيرة
كما أنه من المطلوب في الميدان التربويّ أن تتكوّن لجان قادرة حقّا ومثقّفة حقّا بالمعنى الشامل للثقافة تكون مهمّتها صياغة كتب مدرسيّة تكرّس مفهوم النسبيّة في الحياة وفي الفكر وتحسم نهائيا في قضيّة تضارب ما يقدّمة هذا الأستاذ في مادته مع ما يقدّمه آخر ـ هذا يدرّس مفاهيم مبنية على التطوّر والتغيّر والنسبيّة والآخر يعتمد مفاهيم الثبات والمطلق ـ
انني لا أستسهل القضيّة ولكنني أعتبر أنه حان الأوان لتناول ملفّ  وزارة التربية القوميّة وهو ملفّ شائك وصعب فهذه الوزارة التي تتوفّر على احتياطيّ غريب من الطاقات تحوّلت بفعل السياسات الغريبة السابقة الى منجم للنكت المضحكة المبكية.