الطريق الجديــــد، 2 جانفي 1988
 قراءات في سطور المدينة، محمد الناصر النفزاوي

“  في اللباس الشّـــــاذ " (1)

تواترت في الفترة الأخيرة الأصوات الداعية الى الغاء المناشير التي تمنع ما يسمّى ب ـ اللباس الطـّائفي ـ عمدتها في ذلك حريّة الاختيار والديمقراطيّة.
لقد أصبح من البديهيّ في هذا العصر أنه لا حقّ لأي سلطة أن تتدخّل في أذواق الناس سواء أتعلّق الأمر باللباس أو الأكل الخ.. ما دام ذلك لا يدخل الضيم على أذواق الآخرين.

غير أنه من اللازم في قضيّة الحال أن نتساءل:

هل يدخل" اللباس الطائفي " ضمن ما تقدّم ؟ وهل هو لباس " بريء  " سياسيّا  كما يدّعي دعاته ؟ أي أليس هو في النهاية جزء من استراتيجية ثقافية وسياسية تهدف الى قضم فضاءات المجتمع التي مسّها بعض الدنيوة ؟ 


ان هذا هو اعتقادي العميق. ف"اللباس الطائفي" هو لباس  اشهار أكثر مما  هو" لباس ستر " وهو لباس دعوة أشبه ما يكون بالاشهار التلفزي الذي يدخل كل المجالات ويلمس عيون الصغار والكبار؟ وهو أكثر تأثيرا من الصحف والمجلات الدينيّة التي سأبقى من المطالبين بوجودها على الساحة السياسية والثقافية لأن هذه الصحف ستكون مضطرّة الى أن تتّخذ مواقف مما يحدث في البلاد وخارجها يمكن التصدي لها فكريّا في حين أن اللباس الطائفي  رمز لا يعرف أبعاد تأثيره غير من خبرتأثير الصورة عندما تعمّم في كل مكان وعلى كل الأجيال.
واذا حلا للبعض أن يتعلّلوا بالحرية فان المرء لا يمكن أن يقبل دعواهم الا اذا ألغيت في نفس الوقت القوانين التي تحظر على غيرالمتلحفين والمتلحّفات باللباس الطائفي أن يلبسوا ما راق لهم من اللباس اذ اللياقة كما هو معروف مفهوم مطّاطيّ يستغلّه كل واحد كما يشاء.
ان أهمّ سند  يعتمد عليه دعاة اللباس الطائفي حاليا ـ دعاة الحجاب سابقا ـ هو التصدّي لاستفزاز الجسد بصريّا.
وأنا أعتقد أن هذا الرأي مردود.
ان الاستفزاز يمكن أن يمارسه أي كان يصدم خلايا العين بشذوذه سواء أكان يلبس اللباس الطائفي بما يحمله من معان أو كان يلبس لباسا مغايرا فاللباس ليس غير وجه من وجوه الثقافة كالأكل وطريقة العيش...ولذلك فهو يساير تطوّر الحضارة عموما  :
فلباس  ـ البلودجين ـ لم يظهر نتيجة ابداع أحد المصمّمين ولكنه مرتبط بحضارة صناعيّة وباكتظاظ آليّ أصبح يحول عند ظهور ـ الدجين ـ في الولايات المتحدة دون عمل العامل اذا كان العامل يلبس لباسا فضفاضا كـ ـ سروال بوليّة ـ الذي هو بدوره تعبير عن حضارة زراعية مسترخية قوامها الطبيعة والاسترخاء.
فالقضيّة كما يمكن أن يستنتج ذلك أي كان ليست اذن قضية اختيار لباس بريء ولذلك لا يجب أن ينسى المرء ما وقع في بلاد أسيوية اسلاميّة عندما كثر عدد الملتحفين والملتحفات :
يومها لم يبق أمام غيرهم وغيرهنّ الا الالتحاف خوفا من أن تلصق بهم تهمة ...الفجور.
ولذلك فلنعدها  مرّة أخرى : حذار...فما كلّ دعاة الطهر الجسدي يصدرون عن طهر فكري.