الطريق الجديــــد،  جانفي 1988
 قراءات في سطور المدينة، محمد الناصر النفزاوي

في اللباس الشاذ   (2)

ما كنت أظنّ أن البعض ممّن يقرؤون هذه الصفحة يمكن أن يصدروا عن مغالطة تبعث على العجب.فهذه الصفحة  كما  هو معروف لا تعبّر بالضرورة عن رأي الحزب الشيوعي. ومن يكتبون فيها ان كانوا ملتزمين ببعض جوانب الرؤية العقلانيّة والاشتراكية لا يمكن تقييم كتاباتهم وكأنها افتتاحية ـ الطريق الجديد ـ
وعلى الرغم من هذه البديهيات التي يمكن أن يلمسها الانسان باصبعه وهو يقرأ الصفحة الأخيرة فقد وردت على الجريدة رسائل/ردود على مقالة ـ في اللباس الشاذ ـ ان كان بعضها قد حاول تعفّفا أن يكبت غيظا كامنا فان البعض الآخر وهو من تحرير ـ نسائي ـ متديّـن ـ تعبق منه رائحة القيم   ـ التي يدّعي أنه يلتزم بها استسلم الى هستيريا لفظية فحمّلنا ـ بعد أن حاول الاقناع ببراءة اللباس الطائفي من كل سياسة ـ مسؤولية ضياع ...فلسطين ومسؤولية  الحرب الأهلية الأفغانية وكل  الزلازل التي وقعت وستقع في العالم وكاد أن ينفي  عنّا حقّ المواطنة في تونس  ذات ـ التربة الطاهرة (التي    )ارتوت من دماء … الصحابة الكرام ـ وأعادنا بالمناسبة الى قضايا القدماء عندما كانوا يتصارعون حول هل أن ديّة اليهودي والنصراني هي نفس ديّة المسلم أو أقلّ؟


لقد تذكرت وأنا أقرأ هذه الرسالة النسائية مشهد أحد ـ المدرّسين ـ ـ المتفقّهين ـ في الدين وهو يعرض على مدرّسين آخرين ـ وبالطبع على تلامذته ـ صدفة كتب عليها اسم الرسول بخطّ جميل يشبه خطّ ـ الخمّاسي ـ الجميل في بلادنا وهو يردّد : انظروا قدرة الله..لقد عثر عليها أحدهم على الشاطئ .. مقتبلا ابتسام هذا ومجاملة ذاك وحرج ثالث على أنها علامات تصديق …ولم يشكّ قطّ ـ وهذا هو العجب ـ أن الأمر قد يكون من صنع واحد أراد أن يسخر من سذاجته.
لنعد الى موضوعنا : ما ذا قلنا في مقالة ـ اللباس الشاذ ؟ـ قلنا انه لباس دعوة. وما قلناه هو من البديهيات التي يعرفها الأطفال عندا ينشّؤون تنشية عقلية ـ لا أطفال الكتاتيب سيئة السمعة التي نعرفها ـ فما بالك بالكبار الذين يخلط البعض منهم عن سوء نيّة أو عن نظرة سياسيّة آنية وانتهازية بين حريّة الفرد في اختيار اللباس الذي يريد واتفاق مجموعات كاملة على علامات معينة كوسيلة للتخاطب الرمزي والتأثير ـ ومنها اللباس ـ لا تفرّق بين الصغار والكبار ، بين الشارع والمدرسة اذ اللباس يصبح متى تجاوز نطاق الاختيار الذاتي والعفوي حاملا لمعنى ما هو في حالتنا معنى ثقافي وسياسيّ مضــاف ولا فرق عند ئذ في نظري بين مجموعة تلبس ـ عن قصد ـ لباسا طبقيّا يتخير له شعار ما وأخرى تلبس لباسا ترسم عليه الصليب المعقوف مثلا
هذا هو رأينا قلناه ونقوله صراحة ولن نغيّره لأن بعض الجمعيات بدأت منذ مدّة تدعو الى الغاء المنشور 108 أو أن هؤلاء الدعاة وزّعوا كتاباتهم وردودهم في الجرائد اليومية بغية الاقناع بوجود رأي عام كثيف يناصر دعوتهم وذلك للتأثير في السلطة وترهيب مخالفيهم أو حتّى  أن هذه السلطة قد تكون بصدد ايجاد صيغة لـ ـ حلّ ـ هذه المسألة.
كما أنه لا يهمّنا في هذا المجال أن تكون السلطة قبل هذا العهد أو ذاك هي التي منعت هذا اللباس.وقلنا كذلك ان هذا اللباس انم هو ـ جزء من استراتيجيّة ثقافية وسياسية تهدف الى قضم فضاءات المجتمع التي مسّها بعض ـ الدنيوة ـ وكلامنا هذا يعني أن دعاة الحجاب الجدد سوف ينتقلون في مرحلة لاحقة الى مطالب أخرى أكثر جذريّة ..خاصة أنّ هذه الفترة من تاريخ البلاد لا تبدو في مستوى الموضوع الذي نحن بصدده واعدة .
وخلاصة القول هي أننا نحتفظ من الماضي ما نراه صالحا لمستقبل أبنائنا وبناتنا معيارنا في ذلك العقل ـ هما كان محدودا ـ لا النقل ونلغي من التراث مانراه يعاكس مسيرة شعبنا نحو التقدّم ولا نودّ لبناتنا أن تكون لهنّ مكانة المرأة التقليديّة ودورها ـ ويبدو أن هذه المكانة وهذا الدور هما موضوع حنين الكثير من خرّيجي الكتاتيب الحديثة ـ القديمة ـ حتّى ولو كانت هذه المكانة وحتى لو كان هذا الدور قد أحاطتهما الخرافة وأحاطهما الاستقفاص النقلي والتقليد المرضيّ بهالة من القدسيّة اذ يبقى شعارنا) لو كان في الماضي حكمة حقيقية لما صار ماضيا قطّ(.