الطريق الجديد ، 30 جانفي 1988
قراءات في سطور المدينة ، محمد الناصر النفزاوي

وانتصرت الشعب على الديمقراطية

وان كنت بالشورى ملكت أمورههم
فكيف بهذا والمشيـــرون غيّـــبب ؟
مزعجة كانت  الانتخابات الجزئيّة الأخيرة
أزعجتني شخصيّا
أزعجت المعارضة عموما
جاءت تصديقا لمن يؤمن بصحّة القولة  ـ من شبّ على شيء شاب عليه ـ


ولا أدري والله الى أيّ حدّ أزعجت ـ أولي الأمر ـ  و ـ أهل الحلّ والعقد ـ في هذه البلاد
أزعجتني شخصيّا لأنني اضطررت الى التفاؤل منذ فصل الخريف الماضي وكنت أرى في هذه الانتخابات بغض النظر عن نجاح ممثّل هذا الحزب أو ذاك فرصة معرفة وان كانت محدودة لاتجاهات الناخبين تمكّن من بلورة تصوّر أوّليّ عن تصنيف الرأي العام التونسي أي بكلمة واحدة لم يكن يهمّني نجاح هذا أو ذاك بقدر ما كانت تهمّني المعرفة مضافة الى قيمة امتحان عهد ما بعد فصل الصيف وتقييمها
وجاءت النتيجة ممضاة ببصمات الميليشيا والشعب الدستوريةّ
جاءت لتؤكّد أن  ال ـ الحزب ال اش. د. ـ لم يكن يهمّه فقط النجاح في الانتخابات بل كذلك اظهار الحزب الشيوعي التونسى وكأنه أقلّية صفر.
وفي سبيل تحقيق هذه الغاية المزدوجة اضطرّ الى أن يقفز قفزة بهلوانيّة الى الوراء.
أزعجت هذه الانتخابات المعارضة عموما ـ ولم لا بعض المستقلين ـ لأنها دفعتها الى طرح السؤال الكبير:
اذا كان موقف الحزب الحاكم ـ أقصد النوايا لا أقصد الحبر على الورق أو النغم على الأثير ـ  بمثل هذه الممارسات في انتخابات جزئيّة الهدف منها تجديد مقاعد في البرلمان لا يتجاوز عددها أصابع اليد المفردة فكيف ستكون الممارسات الدستورية لو تعلّق الأمر بانتخابات برلمانية عامة أو بانتخاب رئيس الجمهورية ؟
والحقيقة هي أنني لا أتمكّن الى حدّ وقت كتابة هذه السطور من معرفة الفائز الحقيقيّ في هذه الانتخابات
ومع ذلك فسوف أكتفي ترياقا لازعاج هذه الانتخابات بابداء ما يلي
أولا ان أغلب  الناس في هذا البلد ـ وهم في النهاية طال الزمان أم قصر ، العصى الطولى والنهائية ـ بنوا تفاؤلهم الخريفي على  أساس ما تصوّروا أنه تناقض بين سلطة الصيف الماضي وسلطة الخريف الذي تلاه وأن كل تجاوز سياسيّ ـ خاصة في حالة السلطات الناشئة ـ لا يمكن الا أن يرجّح كفّة التقييم نحو السلب ويزكي رؤية من يعتقدون أن لا جديد حقّا تحت الشمس سواء أكان في الأفعال أو الرجال الا ما كان من بعض ـ التوابل ـ التي لم يعد العصر يقبل بها بديلا عن التغيير الحقيقي
ثانيا اذا كان يوجد صراع خفيّ وقويّ  بين مراكز القوى في الحزب الدستوري بدأت قوى الارتداد تحصل فيه على الكلمة النهائية  منذ انتخابات قصر هلال ـ ا لبدعة ـ فان مصلحة البلاد لا تكمن في  تماسك الحزب الدستوري على حساب مصلحة الأمة العاجلة والآجلة وانما تكمن على العكس من ذلك في تماسك الأمة ولا أعتقد أن اطلاق حرية شعب حزب من الأحزاب ـ تصول وتجول ـ يمكن أن يعين على هذا التماسك المطلوب.