الطريق الجديد، 1988
قراءات في سطور المدينة، محمد الناصر النفزاوي

يــــــأكـــــلون الدّنــــــيــــا ويتـــــســـحّــــرون بالآخــــــرة

حملت الينا الأنباء منذ مدّة قصّة المغنّية شادية وهي تتحوّل الى متعبّدة لا تفارق " السبحة "  أناملها الا قليلا.
وحديثنا لا يهتمّ بشادية بقدر ما يتناول ظاهرة  في الامكان أن نورد مئات  من الأمثلة  عليها وهي تتمثّل في هذا " النّور" الذي لا يبعثه الله في قلوب نمط من الناس الا بعد أن تصاب هذه القلوب بكلّ أنواع الأمراض وتشرف على الموت.
تتمثّل كذلك في هذه العداوة الفجئيّة للجسد بعد حياة طويلة متكالبة جسديا ذبلت بعدها كلّ خليّة فى الانسان فلم يعد صالحا لغير أن يكون سمادا للأرض وللنبات.
وهكذا يكون الواحد منهم مهرّبا للذهب من هذه البقاع المقدّسة الى بلده أثناء كلّ حجّة ، وعندما ينخره المرض يتذكر أو يذكّره الآخرون بالسماء فـ" يتصدّق " ببعض " عرق جبينه " للمساهمة في بناء هذا المسجد أو  ذاك المستوصف.يكون الواحد منهم "خمّارا" و " سجّانا " طيلة الفترة التي يحتاج فيها الجسد الاجتماعي الى عكس هذه " الوظائف " ، وعندما تخبو كلّ جذوة فيه حقيقيّة يتحوّل الى داعية الى الفضيلة بل الكفاف واحتقار "وسخ الدنيا ".

انّها النفعيّة المتجذّرة حدّ العظم : 
يودّون أن يأكلوا الدنيا وأن يتسحّروا  بالآخـــرة
وفي كلّ الحالات لا نجد غير التحوّل من النقيض الى النقيض :
غرق كامل زمن الجذوة الحياتيّة في عالم العلاقات الاجتماعيّة وايمان مطلق بمذهب " الغاية تبرّر الوسيلة " وغرق كامل زمن خبوّ هذه الجذوة في التصوّف وما يقترب منه وايمان متأخّر بـ" انما الأعمال  بالنيات ".
ومثل هذا الايمان لو صاحب حياة بعضهم في عنفوانها لحلّت كثير من القضايا لأنّ النية أي الحقيقة الذاتية غير المرئيّة تصبح الموجّه الوحيد للناس فيقع تحجيم دور المظاهر سواء أكانت في الكلام أو  اللباس… ولصمت الكثيرون ممّن يتمعّشون الآن من خطب لا يؤمنون بمحتواها ومع ذلك ما زالوا يتعيّشون منها تعيّش التاجر الذي لا يستهلك ما في محلّه من " مصبّرات سامّة " ولكنّه لا يحجم عن بيعها للناس.
انّ هؤلاء الذين لا تستفيق الأخلاق عندهم الا بعد عمر طويل من الأعمال غير الطّيبة قد يكون من حقّهم أن يبحثوا عن " الطمأنينة " بأيّ طريقة كانت ولكنه ليس من حقّهم ايهام الشباب خاصّة بأنهم يمكن أن يكونوا بالنسبة اليهم قدوة سواء في الفكر أو العمل.