الطريق الجديد ، 6 جويلية 1988
قراءات في سطور المدينة ، محمد  الناصر النفزاوي

مــــفـــتـون وأيــــمّـــــــــــة

أدلــــى  مــفتــي الجـمـهوريّة  ـ لا السلطنـــة  ـ  بحديث لـــ   ـ جــريدة الشروق ـ  الأسبوعيّة بتاريخ  28  جوان شرح فيه موقفه من  اتهام  ـ الطريق الجديد ـ بعض الأيمّة  بتحويل  ـ بيوت الله ـ  الى اذاعات ـ رأسمالية تذكّر بفترة الحرب الباردة فخرجوا بذلك  عن دورهم  بصفتهم موظّفين  في دولة  لها سياستها الخارجيّة المحدّدة واستبدلوا به دورا جديدا ما أقربه ، رغم شكله المتخلف ، من دور  ـ صوت امريكا ـ
وقد تجلّى  موقف المفتي من خلال النقاط التالية :

ـ تحديد وظيفة الامام وكيفيّة أدائها
ـ التعريف ـ الشعبي ـ بالمذهب الشيوعي
ـ تبرير موقف أئمّة المساجد
ـ اتهام الشيوعيين التونسيين خصوصا
ـ نصائح
يقول الشيخ محدّدا وظيفة الامام وكيفيّة أدائها:
 " الامام هو رجل مسؤول لتوضيح  العقيدة والأحكام الاسلاميّة وكلّ ما يهمّ المسلم  في حياته العائليّة والاجتماعيّة "
واذا كان ـ كلّ ما يهمّ المسلم ـ يندرج ضمنه الاقتصادي والسياسي أساسا فان القارئ يلاحظ أن الشيخ  قصر الاهتمام على  ـ الحياة العائليّة والاجتماعيّة ـ  متجنّبا الاقتصاد والسياسة وهو في ذلك لا يعدو  الامتثال لتقاليد رجال الدين المسلمين منذ القديم اذ حصروا اهتماماتهم في قضيّة الحلال والحرام وتركوا  الحكام وشأنهم بل ساندوهم وبرّروا في كثير من الأحيان ممارساتهم.
غير أنّ تجنّب  السياسة والاقتصاد ( تقييم نظام الحكــم ، التعرّض لمشاكل الساعة كالبطالة والأجور والأسعار…)لا يبدو عند  الشيخ اقتناعا مبدئيا اذ سنراه في ما تبقّى من كلامه سياسيا منحازا يؤرقـــه أمـر  طــشـقـنـد تماما كما ـ تؤرق ـ قضيّة الحريّة في أفغــانستان الولايات المتحدة الأمريكيّة
.
لنقرأ معا:
   " منذ سنتيـن قام الزعيم السوفياتي الجديد ميخائيل  غورباتشوف بخطبة ناريّة حماسيّة في بلاد القوقاز  أعلن فيها أنّه لا بـدّ من الوضوح الكامل وأنّه لا يقبل بحال من الأحوال المتديّـن بأيّ دين سماويّ في صفوف  الحزب الشيوعيّ السوفياتي وأنّه لا بدّ من تطهير الحزب من كلّ العناصر التي تـــؤمن بالغيب ".
وهكذا يظهر شيخنا ضمن حديث لجريدة ـ الشروق ـ حول توظيف الأئمّة التونسيين الدين من ـ جامع الفــتـــح ـ الى الاتحاد السوفياتي
.
وأنا أسأله :
هب جدلا أنّ ما ذكرت  صحيح فما الذي   يلزم ـ عليّا ـ و ـ صالحا ـ و ـ بلقاسم ـ في الحزب الشيوعي التونسي بما يحدث في بلاد "الواق واق " ؟
كما أسأله لم لا تحدّثنا ، وأجرك على الله ، عن وضع بلدنا الصغير ومعاناة أجياله وتقترح علينا حلولا عمليّة  فنكون من الأوائل الذين ينخرطون في دعوتك ؟
يقول الشيخ كذلك  " لا يقبل من الخطيب  أن يتحدّث الى المسلمين دون أن يربط بين المبادئ  الاسلاميّة وبين الواقع " وتلك هي " المرمّة " أي قضيّة كيفيّة الربط بين المبادئ والواقع
.
ومعروف أن هذا الربط ينبع من قراءة معيّنة للاسلام ولا يوجد في هذا المجال وحدة نظر
.
ولو رجعنا  الى كلّ مواقف الأئمة في تونس   التي تهمّنا هنا  لوجدنا أنها تتجنّب التعرّض للوضع الداخلي ـ الا اذا كان الأمر يتعلّق بالحزب الشيوعي طبعا ـ من ناحية وأنها من  ناحية ثانية تركّز على محاربة الشيوعيّة أي هي في النهاية تصبّ في المذهب الرأسمالي
.
ويبرّر الشيخ حملة أيمّة المساجد فيظهرهم وكأنهم في حالة دفاع مقدّس عن المسلمين التونسيين ـ والأفغان والطشقنديين الخ… ـ ضدّ الشيوعيين التونسيين فتصبح بذلك  الرابطة الوطنيّة التي تربط أساسا بين المواطنين في درجة ثانية وكأني بالشيخ يودّ أن يقول قياسا
.
الى (المسلم أخو المسلم ) أنّ البنقلاداشي المسلم  أخو الجندوبي المسلم قبل أخوّة الجندوبي المسلم للقابسي الشيوعي : وهذه طائفيّة دينيّة لا أدري كيف يتبنّاها موظّف سام في  ـ جمهوريّة ـ معاصرة
.
ويبدو تشنّج  الشيخ في ذروته عندما يتذكّر بعض صفحات  ـ الطريق الجديد ـ فيطالب صحفييها بأن " يكفّوا  عن اثارة الضمير الاسلامي  بالاستهزاء…" وذلك  بعد أن كفّر الشيوعيين التونسيين جملة  وتفصيلا " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر " وبعد  أن لمّح الى لا شرعيّة قيام حزب شيوعيّ في تونس :
 " واذا كان الشيوعيون قد مكّنتهم السلطة ( وكأنه ليس طرفا  فيها !) من العمل السياسي في حزب سياسيّ اعتمادا  على ما جاء في الدستور من حرية ...الخ"
وفي هذا المجال قد يصحّ أن نسأل المفتي :
ـ من أين لسيادتك أنّ الشيوعيين التونسيين يصرخون بأنهم لا يؤمنون بالله ولم التعميم ؟
ـ ان افترضنا جدلا  أن هذا الادعاء  صحيح فبأيّ حقّ ينصّب البعض أنفسهم ـ شرعيّا ـ في زمننا محاكم تفتيش تذكّر بديوان الزندقة العباسي الذي قتل بشّارا وصالح بن عبد القدّوس والحلاج ...؟
ـ لم يدّعي رجال الدين أنّه لا وجود لتنظيم كنائسي في الاسلام على غرار المسيحيّة والحال هي أن مثل هذه المؤسّسة موجودة بشكل ضمنيّ وهي ممثّلة عندنا في أمثال المفتي والا فما معنى(من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) ؟
انني أرى أن استعمال هذه الألفاظ يعدّ في حدّ ذاته غربة عن العصر  ولقد كنت أتمنّى أن أرى رجال الدين عندنا وهم يدّعون الترفّع عن رجال الدين المسيحيين أن يرفعوا مثلهم على الأقلّ شعار الدفاع عن الفقراء و حماية البيئة خاصة أن عالمنا العربي يشكو من أدواء لا تعدّ ولا تحصى
.
وأمّا ما ينشر في  صفحات  ـ الطريق الجديد ـ  فهو لا يدخل في اطار "اثارة الضميرالاسلامي " كما يسمّيه ولكنّه يدخل ضمن عمليّة واعية ارتاح لها  كثير من القراء الذين يقرؤون جريدتنا ويشجّعونها  فهي  صفحات مأخوذة جميعها  من التراث العربي الاسلامي  وهي بالتالي تعوّض نظرة السلفيين المزيّفة الى التاريخ الاسلامي بنظرة متوازنة اذا كانت لا تشكّ في وجود لحظات مشرقة في هذا التاريخ فهي لا تتحّرج كذلك من اظهار الواقع القديم كما صوّره  أهله وهم أعرف بعصرهم منّا في تونس  سنة 1988.