الطريق الجديد، 13 جويلية 1988
قراءات في سطور المدينة، محمد الناصر النفزاوي

أمــــا آن لـــهــــؤلاء الـــمـــعـــمـّـــريــــــن أن يــتـــقـــاعـــدوا  !

" ثـمّ ان الملك منصب شريف  ملذوذ يشتمل على جميع الخيرات الدنيويّة والشهوات  البدنيّة والملاذ النفسيّة فيقع التنافس فيه غالبا وقلّ أن يسلّمه أحد لصاحبه الا اذا  غلب عليه "
ابـــــن خلــــــدون ( المقدّمة )

" الاقطاعيون " في بلدنا تدفعهم غريزة واحدة وتجمعهم  عقليّة واحدة. 
كانوا زمن الاستعمار نازحين فرنسيين حوّلتهم السلطة الى مزارعين كبار والى ملاك أراض شاسعة في أفضل  مناطق البلاد فجعلوا من أهلها  رعايا ودفع ثمن هذا الاغتصاب القبائل والعروش
وكانوا زمن الاستقلال بائسين تونسيين حوّلتهم السلطة الى مزارعين كبار والى ملاك أراض شاسعة في أفضل مناطق البلاد فجعلوا من أهلها رعايا
ودفع ثمن هذا الاغتصاب الجديد القطاع  العام وأملاك الدولة.  لا فرق بين  أولئك وهؤلاء غير ورقة من الكاغظ  المقوّى تسمّى بطاقة الهويّة.
والهويّة عندي ليست لفظا يلاك سواء اتّصل بالدين أو اللغة أو الجنس أو الأخلاق.
انّها أساسا انتماء ترابيّ وهوائيّ لأرض من الأراضي المقسومة بين سكّان هذه الأرض.

هي احساس كلّ واحد بأنّ له مكانا في الشمس وفي الظّل وفي البحر على هذه الأرض.
وهذا الاحساس سابق للخطب وأكثر قدما منها فهو الأصل وهي الفروع.
من أجل ذلك تصارع الناس منذ وجودهم على الأرض وما زالوا يتصارعون.
وأنا أرى اليوم اقطاعيي عهد الاستقلال يأكلون الـغــلّة ويلقون للأمـــّـة بالنواة.
أراهم يسألون هنا وهناك عن " مشاريعهم " السياسيّة بعد أن استنفدوا خيرات البلاد واستنفدوا حتّى أجسادهم في السلطة القاهرة وما يتبعها فيتثاءب الواحد منهم و " يتجشّأ " : 

ـ انني ما زلت أفكّـــر...ولعلّي أعود الى النشاط السياسي عمّا قريب !
هذا هو واقعنا المؤسف :
ـ جيل شاب عاش ثلاثين سنة ضغط القهر والتعذيب ما زال يطالب بالعفو التشريعي ولا يناله وآخرون عفّاهم الزمن جعلوا من السياسة طيلة  ثلاثين سنة " تجارة رابحة " و "مضاربات " داخليّة وخارجيّة لا يستنكفون من استغلال شعار 7 نوفمبر ( عــفا الله عــمّا سلف ) لتمديد أنفاسهم السياسيّة الــسّـامة وكأنه ما زال من السهل أن يصبغ جـــلاّد الأمس بين عشيّة وضحاها جلده " التمساحي "  بلون الضحيّة
.
انّ غرابة هذه الفترة هي التي قادتنا الى أن نؤكّد على أهمية انتظارمؤتمر " ح ت د " ( حزب التجمّع الدستوري ) فنتبيّن منه بعض ملامح المولود الجديد ويتسنّى بذلك الحكم نهائيّا على أمــّــــه وأبيـــه.