الطريق الجديد، 26 جويلية 1988    
قراءات في سطور المدينة، محمد الناصر النفزاوي

فــــي  العنــــف وألــــوانــــــــه

ما يثيـــر عامـــة الــنـاس  هـــو العـــنف الواضــــح :
مثل صدام بين " فــــرق التـــدخـــّل " والناس مثلا
كنطاح بين كبشيـــن بشرييـــن مثلا ثانيا
ومع ذلك فبإمكان أيّ انسان أن يلمح عنفا كامنا في كلّ  زاوية من زوايا المجتمع اذا ضمر القانون وتضخّمت " الهمجيّة " في الاقتصاد والسياسة والثقافة
ايه نعم " الهمجيّة " !

في امكانه أن يلمح العنف المقنّع عندما تشرّع السلطة قوانين اقتصاديّة تزيد من شحذ أظافر بعض الكواسر من السكان لتتمكّن أكثر مما كانت قادرة عليه بالأمس من اختراق حصانة المدجّنين من بقيّة السكانفي امكانه أن يلمح العنف  المقنّع عندما تسود في الممارسة السياسيّة اليوميّة تخريجات البيت :

قـــتل امرئ   في غابــــة جريمـــة لا تغتــــــــفر
وقـــــتــــل شـــعــــب كـــــامــــل مسألة فيها نظر!

وعندما تهيمن  العرجاء والنطيحة على وضع بلـد باسم أيّ مبرّر من المبرّرات :
 في الحزب الحاكم
في المؤسّسات
وعندما يختلط الحابل بالنابل حتّى  أنّ المرء ليعجز عن التمييز بين الوزير والحاجب أو بين الفيزيائي والمنظّـر في الدين أو بين سائق السلطان ومستشاره الأوحـــد
في ما يتعلّق بجواريه
في ما يتعلّق بمعارضيه
في ما يتعلّق بصندوق النقد الدولي
في ما يتعلّق  بتسميّة هذه الحرباء أو تلك في هذه  المؤسّسة التعليميّّة القياديّة أو تلك ...الخ …
وانظر اليهم صباح مساء ععنّفونك في الاعلام وفي الاقتصاد وفي السياسة والثقافة
أصوات مدلّسة ومغشوشة يعلم الشيطان الخالد وحده من أين أتت وأين مرساها
ووجوه مجّتها أضواء الوزارة وأضواء الشمس والحياة جميعا تشبه وجوه بعض من لن أذكر
صفتهم اتّخذت من تفسير "تحوّل  نوفمبر " زلاقة تمارس بها التحرّك على مدى أعصابنا
ووظائف عليا لم أعد اليوم  على الأقلّ أفهم بأيّ مقاييس تسند الى هذا المحنّط أو ذاك وكنت بالأمس القريب  أكثر تبيّنا لشروط البيع  والشراء الثقافيين حتّى أنني لن أستغرب أن أرى فلانا ابن فلانة عمّا قريب وزيرا للحكم...وأرى خلّه في الانتهازيّة وزيرا لما فوق القلم
انّه العنف غير المجسّد ولكنّه الأكثر ايلاما
وهو العنف الذي تمكّن وعي أوسع الطبقات الاجتماعيّة في البلدان الراقية حقّا من تجاوزه عندما منع أن تكون الأحزاب الحاكمة " آلة تفريخ " لاطارات الدولة تطابقا " دجاجيا " مع تفريخ المداجن " للدجاج الأبيض "
انّ تساؤلي الوحيد هو :
هل يحقّ الحديث عن التغيير بأيّ معنى من المعاني اذا لم نعمد الى فصل حقيقيّ بين الحزب الحاكم  والدولة ؟
 أمّا من دون ذلك فمآل كلّ تفاؤل الى استفاقة سريعة من حلم  زائف ومخادع.