الطريق الجديد، 16 أوت 1988
قراءات في سطور المدينة، محمد الناصر النفزاوي

فــــي الاصــــرار علــــى الصــــراع

يعتقد الكثير من التونسيين أنّ النظام الحاكـــم قد ضيّـــع فرصـــة ثمينــــة   بداية السبعينات عندما اعتمد المسار الليبرالي اقتصادا ولم يقرن ذلك  في مجال السياسة باعتماد الديمقراطيّة.
ذلك أنّ المنطق يقول : اذا ضغطت على معدة أحدهم فاترك له على الأقلّ متنفّسا حتّى يتمكّن من الصراخ والتعبير  عن الألم .
ولكن  لا يبدو أنّ هذا المنطق بدأ يسود في البلاد بعد تجربـــة نـــويرة  لأنّ كثيرين في صفوف  الحزب الحاكم ما زال يشدّهم الحنين ـ وياللعجب ـ الى الماضي وكأنّ هذا الأمر ما زال ممكنا !.. في حين يعتقد آخرون أنّ أيّ اجراء ديمقراطيّ مهما كان محدودا يتطلّب الحمد وكأنّما هو " منّة " أو " صدقة " لا حقّا من أبسط حقوق كلّ مناضل ضحّى وتحمّل القمع والاضطهاد في ظلّ  نظام بورقيبة بل  هومن حقّ أيّ مواطن تستوجبه مواطنته ذاتها اذ أنّ الحكم هو الذي في حاجة الى استمداد شرعيته من الشعب ولا مجال مطلقا لمطالبة الشعب بالتعبير في كلّ مناسبة عن " آيات ولاء " و " عرفان بالجميل " لأيّ كان بتعلّة "أياديه البيضاء " عليه ، ما دمنا ننقد سلبيات العهد البورقيبيّ بالاعتماد على هذه الممارسات ذاتها .

انّ ضغط هذا التيّار هو الذي أضفى على الوضع في البلاد حالة شعور بثنائيّة مقيتة حدّت من امكانية الرؤية الواضحة

هذه الثنائيّة نجد أفضل تجسيم لها في رفض الفصل القاطع بين الدولة والحزب الدستوري ، هذا الفصل الذي يمثّل بيت القصيد والذي لا يمكن أن تقاربه في الأهمّية أي مشاغل أخرى بل ان كلّ التبريرات والتطمينات والاستشهادات المقارنة  تتبخّر قيمتها في غياب تحقيق هذا المطلب المفتاح لتجاوز حقيقيّ.
لقد غضّت الساحة السياسيّة أو كادت  تغضّ النظر عن المعضلة الأمّ التي تؤرق عامة الناس وهي المسألة الاقتصاديّة وتقلّص القدرة الشرائيّة للمواطن بشكل مفزع مثلما تغاضت في أغلبها عن اعتماد السلطة الليبراليّة الاقتصاديّة نهجا واضحا في المستقبل ومع ذلك فلم يقابلها الطرف المقابل أو على الأقلّ بعض القوى المؤثّرة فيه بأدنى حدّ من الجدّية  حتّى عندما أصرّ  الحزب الحاكم على الابقاء على التداخل بين الحزب  الدستوري الحاكم والدولة.
انّ هذا الاصرار ليس ، في نظرنا ، غير تشبّث بنمط من السلوك السياسي منبن على المصالح المشبوهة بل هو دليل على التشبّث  بالشعارغير المعلن " السلطة طريق الثروة " وهو شعار  نعتقد أنّ احتداد الأزمة الاقتصاديّة وتردّي أوضاع الناس المعاشيّة سوف يعرّيانه في المستقبل  القريب القريب.