الطريق الجديــد،  2 نوفمبر 1988
قراءات في سطور المدينة، محمد الناصر النفزاوي

عنـــدمـــــا يـــكـــون  " اللّــــقاطـــــة " أكـــثــــر مــــن الــــسّــــبـــول !

لقد  أصبح من الواضح لعامّة الناس اليوم أنّ ما دفع الى حدث 7 نوفمبر انّما هو عزلة الحزب الدستوري الذي أثار كلّ الحساسيّات  قي البلاد من أقصى اليسار الى أقصى اليمين اضافة الى عامّة التونسيين الذين أصبحت حياتهم الماديّة أساسا ترجمة للقولة الشعبيّة " كلّ عام (يمضي) خير من خوه ".
ومن هذا المنطلق لم يعد من الممكن أن  لا تحدث عمليّة اعادة توازن الى حزب أصبح مهدّدا بالغرق هو ومن فيه.
انّه من الضروريّ أن نتعمّق في فهم شعار ما بعد 7 نوفمبر الذي يفيد " عفا الله عمّا سلف " ولذلك من الضّروريّ أن يكون السؤال في هذه المرحلة هو :
من هو  أكبر مستفيد من عمليّة " اعادة التوازن " هذه ؟

الملاحظ في هذا السياق أنّ السلطة الجديدة ـ القديمة اجتهدت في بداياتها في صياغة خطاب فضفاض ووطني عام يشدّ كلّ الطبقات الاجتماعيّة أي الثقل الحقيقيّ في البلاد اليها حتّى أنّ بعض المواطنين ذهبوا الى حدّ المطالبة بتأسيس حزب جديد يقطع مع اختيارات  الماضي والممارسات التي طبعته.
ولكنّ السلطة بدأت بعد تركّزها وازدياد اعتقادها في نجاح " التغيير" وشعبيته تظهر علامات عديدة تشي بشعور بالرضى عن النفس واطمئنان الى " الخروج من الزوبعة " بسلام.
غير أنّ اعتقادي أنّ " الزوبعة " ستبقى كامنة لأنّها تتعلّق أساسا باشكاليات اقتصاديّة وسياسيّة تمسّ القاعدة الاجتماعيّة أي الثقل الحقيقيّ في البلاد ولا يمكن حلّها أو حتّى التنقيص من حدّتها الا بـ" عمليّة قيصريّة " فيها الكثير من الشجاعة والمخاطرة  بفقدان دعم أقلّيات سياسيّة واقتصاديّة مؤثّرة بعيدا عن سياسة المسكّنات الوقتيّة وعن الترقيعيّة التى لا جدوى ترجى منها على الأمد الطويل.
انّه من الحسن أن يقع الاعتراف بأحزاب سياسيّة أقرّها الواقع قبل أن يقرّها قانون السلطة واستفادت السلطة من ذلك  دعائيّا وعلى مستوى تأطير جزء من المواطنين
ومن الحسن  اطلاق سراح مساجين سياسيين ما كان يجب أن يسجنوا مبدئيّا وسجنتهم سلطة عاونوها فعلا وبطريق غير مباشرة على أن  " تبدّل جلدها "
ومن الحسن القيام باجراءات أخرى مشابهة لا ينكر أحد تعدّّدها أو جدواها وان تأخّرت حسب رأينا في الزمان لأنّنا بازاء امتداد لسلطة قديمة في رجالها وتصوّراتها لا ازاء تغيير جذريّ وسلطة جديدة
ولكن من الأحسن أن ينظر في الملفّات الاقتصاديّة والسياسيّة والثقافية بشكل مغاير لما استقرّ عليه التصوّر والممارسة قبل هذا " التغيير "
كما أنّه من الأحسن وقد حصل اليقين لقمّة هرم السلطة السياسيّة أنّه لا توجد حاليّا منافسة مدنيّة جدّية لها في الحكم أن تعمد الى التنفيس عن القدر cocotte التي تزداد غليانا كلّ يوم في مستوى بقيّة مرتبيّة الهرم السياسي والاداري كما هو الشأن في البرلمان والبلديات ووسائل الاعلام والوظيفة العموميّة فتجعل من تولّي المناصب فيها حقّا  لمن تتوفّر فيه الكفاءة من التونسيين من دون اغترار بأنّ من التحق بالتجمع الدستوري من " الدستوريين بالقوّة " أو من أصحاب " رجل هنا ورجل هناك " يمكن أن يمثّلوا حقيقة نبض الأمّة ومن دون الاطمئنان الى فكرة أن تسمية هذا المعارض سابقا في هذا المنصب أو ذاك يمكن أن يقوم بديلا عن سياسة شاملة وقاعديّة في هذا المجال ذلك أنّ ظاهرة التحوّليّة transformisme في الطبقة البورجوازية الصغيرة والمتوسّطة هي ظاهرة يعرفها اليوم كلّ الناس ولن تقود ( اذا لم تعمّم في مختلف مستويات الهرم الوطيفي للدولة فتتحوّل الى دم جديد يمسّ كلّ خلايا المجتمع ) الا الى مزيد من الشكّ في نيات " المناضلين " في حزب "  يجزي جيّدا qui paye bien " اذ لا ننسى أنّنا  في مجتمع لم يحقّق مستوى الكفاف وما زال يسود فيه الاقتناع  " السياسة وسيلة الى الثروة واكتساب الجاه والمعنويات ".
ومن يشاهد ما يكتبه المواطنون من تشكّيات الى أعلى هرم السلطة مباشرة يحسّ أنّ المواطن لم تعد له ، بالممارسة ، ثقة في  هياكل الحزب الحاكم وممثّلي دولته الوسطيين والقاعديين على الأقلّ .