الطريق الجديد، 2 ديسمبر 1988
قراءات في سطور المدينـــة، محمد الناصر النفزاوي

فــــي النّهضــــة العربيّــــة الـــكـــسيــــحة

في الندوة التي أقامتها " الطّريق الجديد " حول الهويّة  وساهم فيها  الأساتذة المسعودي وعمايريّة ومحمود أمين العالم والتريكي بمداخلات قيّمة وقع التّعرّض لقضيّة أمّ هي :
 ـ لم لم يزد العرب على طرح السؤال البسيط لماذا  تقدّم الغرب وتخلّف العرب وذلك منذ ما يزيد عن القرن ؟ ولم كنّا نشتكي من أزمة كان يعتقد أنّ سببها الاستعمار فاذا بنا بعد خروج الاستعمار نشتكي من أزمة أشدّ ؟

لقد أجاب محمود أمين العالم عن هذا السؤال بالرجوع أساسا الى طبيعة الأنظمة السائدة في العالم الغربي وانطلاقا من رأي أصبح شائعا منذ زمان في الأوساط التقدّميّة الشرقيّة خصوصا مفاده أنّ البورجوازيّة المصريّة التي واكبت ما يسمّى ب" النهضة " العربيّة  لم تتكوّن على غرار البورجوازيّة.
الأوربيّة من تجّار ومغامرين عبّرت عن مصالحهم ايديولوجيّا فلسفة تتّجه باصرار الى المستقبل وتعادي كلّ ما يمتّ الى الاقطاع بصلة  سواء أ تعلّق الأمر بالتّراث الدّيني  أم تعلّق بالنظرة الى الانسان والطبيعة وهي نظرة تحكمها ميتافيزيقا لا  تحجّم من دور الفرد ومن مجال تأثيره في الطبيعة  أمّا البورجوازيّة المصريّة فقد تكوّنت من اقطاع زراعيّ فكان من نتائج ذلك أنّ رموزها اعتمدوا الحلول التوفيقيّة ممّا حال دون تجّذر صراع فكريّ يعتمد التضادد الكامل ومن هنا تسرّبت حتّى الى الفكر التقدّمي قضايا كان من المفروض أن يتجاوزها الزمن وأصبحت تمثّل عامل كبح والجام لنسق التطوّر كما أنّ انعكاس ذلك على القوى الاجتماعيّة المتصارعة كان سيّئا للغاية اذ حال في أغلب الأحيان دون تجذّر فكرطبقيّ واضح الملامح في هذه القوى الاجتماعيّة.
انّ هذه العوامل الالجاميّة سوف تزداد فعاليّة عندما يتحوّل الحكم الى صالح البورجوازيّة الصغيرة الأقلّ مكانة اجتماعية والأكثر شرها اقتصاديّا والتي خلفت البورجوازيّة ـ الاقطاعيّة بعد الحركات التحريريّة. ولذلك سوف نشهد ايغالا في اعتماد الحلول التوفيقيّة والترقيعيّة ولن نجد أيّ بلد عربيّ لا يعيش على أنماط سلوك ونماذج ثقافيّة متداخلة وهجينة تجاور بنى اقتصاديّة ومنقولات تكنولوجيّة  جدّ حديثة . أمّا على المستوى التنظيريّ فسيتبدّى ذلك في سيطرة قضايا قديمة استفاقت بفعل هذا الواقع مثل قضيّة الهويّة العربيّة والهويّة الدينيّة من ناحية وبروز حركات ثقافيّة تطمح الى التميّز في هذا البحر الاسلامي الغامض حتّى في البلد الواحد من ناحية ثانية :
ولقد حدث في المدّة الأخيرة في الجزائر مثلا تجمّع عشرين ألفا من الجزائريين القبائل بموافقة السلطة الرسميّة وانتهى اللقاء بالمطالبة بالاعتراف الرسمي باللغة والثقافة البربريّتين.
وأنا على يقين أنّ مثل هذه الحركات سوف تزداد على مرّ الأيّام لأنها مرتبطة بالشعور بالتمايز الذي هو سمة أساسيّة من سمات ظهور البورجوزيّة  واشتداد ساعدها .
فعندما تقع الحيلولة دون التعبير عن التمايز الطبقي فلا مناص من أن يتحوّل الى  تعبير عن التمايز العرقي.
هذه الحقائق  تسخر من المواقف الايديولوجيّة  التجميعيّة الكبيرة التي تستمدّ أسسها لا من واقع الحياة الحاليّة وانّما من الماضي والأسطورة الدينيين أو العروبيين ولذلك فانّ السؤال الذي يمكن طرحه بالحاح هو :
ـ الى أيّ حدّ يمكن اعتبار الرأي القائل بنشوء البورجوازيّة بداية القرن العشرين رأيا صائبا في غياب ثبوت تنضيد اجتماعيّ جديد ونموّ الشعور  بالتمايز الطبقي أساسا ؟
وحتّى اذا صحّ نسبيّا أنّ نشوء البورجوازيّة في مصر كان مبكّرا فكيف يمكن أن يسحب البعض ذلك أوتوماتيكيا على بقيّة البلدان العربيّة ( السعوديّة والجزائر وتونس الخ…) من دون اشارة على الأقلّ الى أنّ نهضة مصر لا تعني  بالضرورة نهضة كلّ البلدان العربيّة فهذا التعميم قد يقبل ايديولوجيا ولكنّه يوجّه الدراسات الخاصّة بكلّ بلد   عربيّ وجهة غير سليمة .