الطريق الجديد ،  17 جانفي 1989
قراءات في سطور المدينة ، محمد الناصر النفزاوي

حـــذار .. لـــن يتحمّل التونسيّون صدمة انتخابيّة جديدة..

أعترف أنّني أصبحت أجد صعوبـــة في كتابة " القراءات " لأنّ كلّ موضوع أتخيّره سواء أتعلّق الأمر بالحدائق العموميّة أو بالانتخابات الرئاسيّة أو التشريعيّة ينتهي ينتهي الى نفس التساؤل :
ـ الى أيّ حدّ يمكن للمرء أن يزكّي أدبيّات " العهد الجديد " من دون أن يصطدم بالممارسة اليوميّة للحزب الدستوري في كثير من المجالات ؟
وغنيّ عن الذّكرأنّ كلّ التونسيين تقريبا قد صفّقوا لخطاب التغيير في بداياته ووجد البعض تبريرا لموقفهم في التفريق بين رئيس الدولة والحزب الدستوري.
ولنكن أكثر وضوحا ، أنا من أجل تعبيرة جديدة وشاملة عن التنضيد الاجتماعي  والثقافي  في البلاد فأكره ما ينزعج له المرء  هو هذه الكتل الشعبيّة التي لا تمثّل رأيا عامّا يمكن الاستناد اليه :
من أجل ذلك طالبت منذ 1985 في مجلّة الموقف أن يكون للأحزاب السياسيّة غير المعترف بها جرائدها ومجلاّتها وخاصّة منها التيّار الديني :

لقد كنت وما زلت أرى في القنوات الانتخابيّة أحسن وسيلة للفرز والتصفيّة ، فهي التي تبيّن ان كان لحزب من الأحزاب رؤية استراتيجيّة وهي التي تفضح فقر هذا الحزب وغنى ذاك ، وهي التي تفصل بين  منطق العصا ومنطق العقل وتجبر كلّ حزب على أن يتّخذ مواقف من هذه الصغيرة وتلك الكبيرة بحيث يصبح سكوته عن هذه الصغيرة وغوغاؤه في ما يتّصل بتلك الكبيرة حجّة عليه  ووثيقة ادانة.
فلقد تعبنا من العموميات والبرامج المتشابهة والشعبويّة التي لا تؤثّر لا قليلا ولا كثيرا في عامّة الناس الذين لا يمكن لمشروع من دون تزكيتهم الواعية أن يكتسب صفة الشرعيّة الحقّة.
غير أنّ هذه الغاية أصبحت في نظري ، على محدوديتها ، تتعرّض منذ مدّة لمزيد من التحجيم.
ومن يلق نظرة على ما يبثّ في التلفزة مثلا يشهد تقلّص عدد الملفّات القليلة أصلا  والتي كان يدعى اليها بعض ممثّلي أحزاب المعارضة.
كما أنّ ما تعرّضت له بعض الصحف  من مضايقات اعتبره أغلب الناس مؤشّرا على استفاقة عقليّة خال البعض أنّها الى زوال.
وتبقى قضيّة الانتخابات في هذا المجال  أكبر خطر يهدّد المشروع  الذي تبنّته أغلب الأطراف الاجتماعيّة. ففي اعتقادي أن الغاء كلّ التضييقات في ما يتعلّق بهذه المسألة هو الكفيل وحده باضفاء مشروعيّة حقيقيّة على المنتخبين تلغي جذور التشكيك وتسمح لأيّ حزب مهما كانت تمثيليته أن يقيّم حجمه تقييما سليما.
انّ التجربة  التي نعيشها فريدة في العالم العربي فلم يبذل البعض كلّ قواهم لاحباطها ولمصلحة من يقع السعي الى هذه الغاية ؟
انّ كثيرا من المسيّسين التونسيين غضّوا النظرمؤقّتا عن المسألة الاقتصاديّة  تعويلا منهم على الاختيار الثقافي الذي  جمعهم ممثّلا في " الميثاق " وهذا الاجماع نفسه يعتبر حدثا  لم يسبق  له مثيل..
فلتحدّد  عندئذ المسؤوليات أي لنحدّد القوى التي ليس من مصلحتها أن يجتمع  التونسيّون على هذا الحدّ الأدنى من الاختيارات .