الطريق الجديد، 5 أكتوبر 1985
قراءات في سطور المدينة، بقلم محمد الناصر النفزاوي

في الصداقة  الأمريكية التونسية

هل نقول  بعد قصف مقر منظمة التحرير الفلسطينية في تونس  اننا قد أصبنا في الصميم ؟ هل نسير سير النظم العربية الحاكمة وهي تتعزى ببرقيات التضامن من مختلف بقاع العالم ؟ 

لن نقول ذلك. لقد قرفنا  الى حد الغثيان من أسلوب بكائي لم يعد يعني شيا.. لقد أصبنا كذلك في الصميم منذ عقود وما حدث لم يكن  بالنسبة الينا مفاجأة كبيرة. كان منتظرا بل ان الصحف عندنا  تنبأت به منذ أسابيع. فما الذي يستدعي الكتابة عندئذ؟

ان ما يستدعي أمور أخطر من حادث القصف ومن مأساة الضحايا أمور لن يتمكن غير التحليل المتأني من الغوص في أبعادها.لذلك فمن الهام أن نصوغها في شكل ملاحظات سريعة وفي شكل أسئلة ترفض التابوهات والمحرمات =  عندما اهتزت العاصمة وضواحيها بفعل القصف الاسرائيلي ضج التلاميذ في المعاهد وضج الناس عموما في الشوارع وفي المساكن ومن شك منهم في مصدر الهزة صاح  انها ليبيا. ذاك هو الوجه الأول للمأساة. بعضهم من الاطارات العليا تدخل في مؤسسة من المؤسسات ليطمئن الآخرين  فقال انه مجرد انفجار في مخبر مدرسي.ذاك هو الوجه المضحك  للمأساة. لقد غرس النظام في أذهان البعض أن سمة هذا البلد هي ‘فرحة الحياة فذهب في ظنهم أن ما يمس بلادا أخرى لا يمكن أن يمس تونس ل_طبيعتها السلمية. وعندما استمع الناس الى نشرة الأخبار الايطالية بعد الظهر هالهم أن يعرفوا الحقيقة = أن البلاد تعرضت لقصف اسرائيلي رغم بعد المسافة الفاصلة  بين فلسطين وتونس...انتقلوا لسماع أخبار اذاعتهم الوطنية فاذا هي تتحدث عن...طائرات مجهولة الهوية. ذاك هو الوجه الثالث من المأساة. تساءلوا عما وراء هذا التعتيم فلم يظفروا بجواب . امتلك الناس في المساء شعور غامض بهول ما حدث وباحباط عميق = ماذا كانت غاية السياسة السلطوية وهي تغرقهم لعقود في عملية استرخاء لا مثيل لها ؟ كان الناس يتمنون لو حدث على الأقل أن تفطنت الوسائل الدفاعية للخطر الداهم أو وقعت على الأقل مطاردة جوية... لم يصلوا الى جواب ... طرح البعض تساؤلات حول مصادر الخطر الحقيقية التي تهدد البلاد هل هي عربية أم هي امبريالية غربية ؟ ووجدوا سببا قد يكون وجيها لهذا الاطمئنان السلطوي = تذكروا كبار المسؤولين الأمريكان وهم يصرحون  الواحد تلو الآخر أن أمن تونس من أمن الولايات المتحدة الأمريكية. تذكروا السفير الأمريكي وهو يصول ويجول… تذكروا كذلك جحافل الجنرالات الغربيين وهم يختالون في التلفزة الوطنية ببدلاتهم الرشيقة المزركشة...تذكروا _العطف الأمريكي_ على التونسيين...نسوا مرة واحدة تجربة أغلب البلدان التي امتحنتها العسكرية الأمريكية...نسوا الشرق الأوسط والنزيف الفلسطيني وصبرا و شاتيلا...نسوا أن اسرائيل مرتبطة سكريا واستراتيجيا بالولايات المتحدة... نسوا أن سلاحها هو نفس السلاح الذي يستعمله الجيش الأمريكي...وعندما سمعوا بقصف تونس برز السؤال الذي لم يتعود عامة الناس عندنا على طرحه= ممن يود الأمريكان حماية التونسيين ؟ في المساء استمع الناس الى نشرة الأخبار الايطالية. لقد ندد كل العالم بالقصف باستثناء بلد واحد هو...الولايات المتحدة الأمريكية. فتحوا تلفزتهم الوطنية فلم يظفروا حتى بلفظ واحد يذكر باسم الولايات  المتحدة أو يندد بها.