الطريق الجديد ، 16نوفمير 1985   
قراءات في سطور المدينة ، محمد الناصر النفزاوي

رحم الله  حشادا... وكفى

ما كنت أود أن أكتب عن حشاد ولا عن الكثيرين ممن قتلوا زمن المخاض الوطني.
قد يكون مرد ذلك الى أن الكلام في الفاجعات هو الدليل الأوضح على عجز اللغة عن التعبير.
انه ما يفسر احجامي عن تناول كل يتعلق بالفدائيين الفلسطينيين.
لقد قيل كل شيء في المسألة الفلسطينية ولكن بمنظور ما لم يقل أي شيء.
ومن الذي يدعي أنه في الامكان وقد شاهدنا بالصورة والصوت مذابح صبرا وشاتيلا أن نتحدث عن صبرا وشاتيلا؟

لقد اتسعت شقة الحيد بين القول والفعل حتى أصبح الكلام نتاجا لقيطا للعجز الانساني والحضاري عندنا.
وقد يكون مرد ذلك الى تربية دينية معينة صاغتني منذ الطفولة فأصبحت أرى في الحديث عن الموتى من المناضلين الكبار  أفضل وسيلة لتحنيطهم وتحويلهم الى صورة جافة بعد أن كانوا حياة يخترقها الرصاص فيفجر دما ساخنا لا مجال لأي حديث أن يعبر عما سكنه من طاقة على الرفض والتمرد المؤمن,
قد يكون مرد ذلك  أيضا الى تكوين سياسي علمني ألا أتحدث عن الموتى من المناضلين الكبار قبل أن بكشف التاريخ المحايد عن كل ملابسات موتهم.
ومع ذلك فقد أجبرت على الحديث عن رجل فذ هو حشاد لأنه أصبح هذه الأيام توظيفا سياسيا عند البعض فلم يحترم الرجل ميتا لا كمواطن ناضل من أجل تغيير وجه هذه البلاد ولا كرمز اختارت الطبقة العاملة التونسية أن تتظلل بذكراه تأكيدا على شرعية نضاله من أجل غد أفضل.
أجبرت على الحديث عن رجل فذ هو حشاد لأن البعض يود أن ينبش عنه التراب ليقبر مكانه هذه الطبقة العاملة ولأننا لا نحس أن هناك فهما أن الرجل كان افراز عصره.
أن الرجل لم يحول مجرى التاريخ ولكنه كرجل فذ فهم حركة التاريخ فسايرها ومن أجل ذلك قتله من حاولوا أن يفهموا التاريخ فهما يستجيب لرغائبهم الطيقية .
لم يكن حشاد في يوم من الأيام يفكر أنه بنضاله يمكن أن يكون أسطورة يوظفها حتى رأس المال الذي قاومه بغية قتله ثانية.
وما أبشع أن يفكر الانسان وهو يناضل دفاعا عن قناعة عميقة أنه سوف يكون في يوم من الأيام أسطورة.
الحياة الحية تناقض الأسطورة
هذا العصر خاصة
لأن الأسطورة ليست في نهاية الأمر غير مطية يركبها الذين لا يؤمنون بالأساطير بل الذين يصوغونها ابتغاء مزيد من احكام القبضة على من يؤمنون بالأساطير.
أي الفقراء دوما
أي من ناضل حشاد من أجلهم.
من لم يفهم ذلك فهو أعمى
ومن يفهم ذلك ويصر على انتهاج النهج ذاته فهو مكيافيلي لا أخلاقي
لسنا ساسة في هذه الصفحة حتى نبرز منافع المكيافيلية سياسيا.
وحشاد المناضل الذي قتلته رصاصات كثيرة ومتعددة ومتنوعة أصبح أسطورة في هذا البلد.
أصبح توظيفا في الشيء وضده
فليترك الرجل نائما في ذاكرة القوم رمزا
لنبتعد عن المتاجرة بكل شيء
حتى بالشهداء
يقول أحد منظري النظام الحاكم الثقافيين في أحد مؤلفاته
ان أنت أتممت الفعل فقد قتلته ـ من دون أن يطبق هو نفسه ما كان يدعو اليه
هذه القولة تعني أن قيمة أي شيء مرتبطة بفترة السفر اليه
ينطبق  ذلك حسب هذا المثقف على الفعل السياسي وينطبق ذلك على الفعل الجنسي
نوع  من الفلسفة التي لا أعرف مدى جدواها اجتماعيا لأنها فلسفة فردية مات دعاتها في الغرب الوجودي زمن ما بين الحربين العالميتين.
ومع ذلك فقد تفيدنا في فهم حقيقة العالم الثالث غبر الديمقراطي منتج ـ الرسل والقادة الكارسماتيين ـ
ان كثيرا من رموز العالم الثالث لو ماتوا قبل عقود لكانوا شبيهين بحشاد
لنصب لهم القوم النصب
الشابي لو كان بيننا اليوم فلا نشك أنه اما أن يتعامل مع اتحاد الكتاب التونسيين واما أن ـ يزور القرجاني ـ
ولأنهم عاشوا الى اليوم وزرعوا لأنفسهم النصب سواء كانت فكرية أو غير  فكرية فسوف يعرضونها للكسر السريع في المستقبل
ان الزمن الخالي كان رحيما ب ـ الرموز ـ في هذا المجال
كان يقبل ـ بالآلهةـ وـ بالأنبياء المجهولين ـ و ـ بمنقذي الأمم
عكس هذا الزمن الذي يحكمه ـ صندوق  النقد الدولي ـ بمراجعه الدولارية لا الفكرية أو الشعرية
لقد أصبحت  قيمة ـ الانسان العظيم ـ  اذا أراد أن يكون رمزا مرتبطة بحدسه بمدى احتياج المجتمع اليه
انه كالطفل
عندما يموت صغيرا يذهب الأهل في التخمين حول امكانياته كل مذهب
يقولون  آه لو عاش فقد يكون هو المفتاح لباب الدنيا والآخرة
ينسون أن قيمة الفرد رهن مجموعة من العوامل الموضوعية وغير الموضوعية
أنه كالطفل كذلك عندما يكبر ولا يحس أن المحيطين به قد كبروا بدورهم فيبدي تبعا لذلك عجزا عن فهم الأوضاع الجديدة
هذه قضية  البلاد فكريا وسياسيا
هذه قضية  البلاد التي لم يفهم منظروها السلطويون أو لم يريدوا أن يفهموا أن الرمز مشروط بلحظة ان تخطاها فقد صار صنما من رخام يمكن لأي طفل أن يكسره بقذفة كرة قدم.