الطريق الجديد، 28 جوان 1988

قراءات في سطور المدينة، محمد  الناصر النفزاوي

أساتــــذة بين الـــــمـــطـــرقة والـــــسنـــــدان

تعدّدت في الآونــــة الأخيرة مظاهـــر اتّــــهام  تلامذة من المرحلـــة الأولـــى  من التعليم المهنــي  والثانــــوي بعض أساتذتهــــم بالإلحاد والصهيونيّة  الخ ..

تلامذة من السنة الأولى والثانية يتحوّلون بعصا سحريّة الى ـ فقهاء ـ  و ـ مفسّرين ـ  للقرآن يقفون في كلّ لحظة ـ شوكة ـ  في حنجرة المدرّس عندما يتناول بشكل نقديّ أيّ نصّ من التراث مدرج في الكتاب المدرسي.

أصبحوا متفقّدين متعصّبين متعدّدي الاختصاصات.

انه أمر يدعو الى العجب لأسباب كثيرة منها :

وّلا : هذا التحوّل من وضع تلميذ يطلب العلم الى وضع ـ حاكم تفتيش ـ قبل الأوان

ثانيا : هذه الموسوعيّة التي أصبح  عليها تلامذتنا في المرحلة الأولى من التعليم الثانوي والتي تناقض كلّ التقارير الرسميّة وغير الرسميّة حول هبوط مستوى التعليم

ثالثا:هذا التعملق المشبوه لبعض التلاميذ واختصارالفروق  العلميّة بين التلميذ  والأستاذ الى حدود...التطابق حتّى لا نقول تفوّق التلميذ على أستاذه.

غير أنّ هذا العجب سرعان ما يتبدّد  عندما ننظر الى القضيّة من منظار آخر:

منظار استقالة الدولة المتزايدة في هذا الميدان واستغلال كثير من المدرّسين السلفيين لهذا الوضع فحوّلوا المعاهد بذلك الى ـ مساجد ـ يجب أن يسود فيها الفكر الخرافي (و أشدّد على هذه الكلمة) وذلك لا يكون الا على حساب ما يعارض الدين من المسائل المدرجة في البرامج أو من  قراءات الأساتذة وهي كثيرة اذ القضيّة لا تتعلّق بتحميل  أستاذ هذه المادة أو تلك مسؤوليّة ـ استفزاز ـ مشاعر التلاميذ والأمثلة على ذلك كثيرة:

ففي النصوص المدرجة في البرامج ما يقرن كلمة ـ الجــنّ ـ بكائنات خرافيّة.

ومثل هذا القرن في امكانه أن يثير تساؤلات التلاميذ الذين تعلّموا أنّ الجنّ كائنات حقيقيّة فيها المؤمن وفيها الكافر وفيها الذكر والأنثى.

وفي النصوص  جزء من القرآن يطلب من أساتذة العربيّة مثلا تفسيره لغويّا وبلاغيّا ومضمونيّا وأغلبه يندرج ضمن ـ  المعجزات ـ المعروفة كما أنّ فيها نصوصا  تتعلّق ببدء الخلق بالمنظور الدينيّ وهو يتعارض كلّيا والتفسير غير الديني الذي بنيت عليه كثير من المواد العلميّة والانسانيّة.

وفي النصوص كثير ممّا يتعلّق بأفكار المصلحين التونسيين في القرن التاسع عشر وهؤلاء  أصبح بعض المدرّسين ينظرون اليهم على أنهم  ـ منبهرون بالغرب ـ يدخل ضمنهم ابن أبي الضياف وخير الدين ..الخ

وفي النصوص  تركيز تمجيديّ على الطاهر الحدّاد ومموقفه من المرأة , وهذه القضيّة أصبحت في المعاهد شبيهة بما رأيناه في الصحف محلّ أخذ وردّ  ولا تعدم اليوم من له نيّة المطالبة باثبات نصوص تعويضيّة مأخوذة  من ـ الحداد على امرأة الحداد ـ

هذه أمثلة قليلة برزت عى سطح الذّاكرة وغيرها كثير.

فماذا سيكون  عليه موقف أستاذ يدرّس مثلا اكتشاف كريستوف كولومب أمريكا سنة  1492 عندما يجابهه أحد التلاميذ قائلا :

ـ لم يكن هو أوّل مكتشف اذ عثر عند وصوله على قبر مسلم

ـ ان هذا ما لا نجده عند المؤرّخين

ـ لأنّهم غربيون ينسبون كلّ شيء اليهم

ولا يظنّن أحد أنّ هذه نكتة

ونحن لا يهمّنا أن يكون هذا أو ذاك هو الذي اكتشف هذه البلاد أو تلك ولكنّ ما يهمّنا بالمقابل هو أنّ كلّ ما يقدّمه بعض الأساتذة الذين يرفضون  شعار ـ كل خبزك مسارقة ـ أصبح محلّ أخذ و ردّ.

وليس هذا الموقف  نابعا من روح نقديّة ولكنّه نابع  من ـ تخطيط ـ  معيّن اتّخذ من التلاميذ ميدان نشاطه ويهدف الى  مقاومة العلم لأن البعض عندما رأوا ما فعل العلم في الغرب بالكتب المقدّسة بادروا عندنا من باب التوقّي على الأقلّ الى التشكيك  في قيمته وتجريم رموزه حتى لا يفعل بالفكر الخرافي عندنا  ما فعله في البلدان المتقدّمة.

وبهذا يقع الأستاذ بين ضغطين يكفيان وحدهما لتبرير القرف من هذه ـ الرسالة التعليميّة ـ :

ضغط مرتّب يدرجه ضمن هذه ـ البروليتاريا ـ الثقافيّة الجديدة  وضغط التشكيك  في معلوماته من طرف ـ مؤدّبين ـ يتغطّون بالتلاميذ.