الطريق الجديد ، 1988

قراءات في سطور المدينة ، محمد الناصر النفزاوي

تـــــجّــــــــــار الله !

هل يمكن للمؤمن أن يكون شيوعيّا ؟

ان الاجابة عن هذا السؤال في غاية البساطة عند السلفيين : انّ المؤمن لا يمكن أن يكون شيوعيّا.

ولكنّ الاجابة قد تبدو أقلّ سهولة وقطعيّة عندما ننتقل الى مستوى مغاير من التفكير :

فالمؤمن البطّال والمؤمن العامل أو الموظّف الذي يجد اشباعا روحيّا في الايمان بالله يحتاج كذلك على مستوى حياته الاقتصاديّة والاجتماعيّة الى حزب سياسيّ يدافع عن حقوقه في هذه الأرض. وهذا الحزب لا يمكن أن يكون غير حزب يساريّ يتبنّى مطالب الشغالينوالمؤمن الثريّ الذي يجد اشباعا روحيّا في الايمان بالله يحتاج كذلك لتنمية رأس ماله الى حزب سياسيّ لا يمكن أن يكون في  هذه الحالة غير حزب ليبراليّ.

من أجل هذا نجد العامل الشيوعي الكاثوليكي في ايطاليا مثلا يصلّي في الكنيسة قبل أن يتحوّل لحضور اجتماع حزبيّ شيوعيّ ومن أجل هذا لن نعثر على صاحب مصنع يصوّت لفائدة حزب شيوعيّ.

ما أنّه لهذا السبب لن يرى في عالمنا العربي ولو دقّق النظر رؤوس الأموال الاسلاميّة - تحجّ ـ الى مواطن الفقر الاسلاميّة اذ جميعها  تصبّ في حسابات بنوك البلدان النصرانيّة ذات الميولات الصهيونية لأنّ لرأس المال منطقه الخاص.

انّ هذا هو منطق الأشياء عندما توافق الأسماء مسمّياتها.

وعندما يقع  تغييب هذا المنطق  يطمس التفاوت الطبقي  ويتضخّم دورالشعائر وهو أمر لا يمكن أن يدلّ في الحقيقة على ايمان - بريء ـ ويصبح الواقع كما يلي :

ـ لا يهمّ أن يكون عمرو ـ مليلرديراـ بنى ثروته بطرق مشبوهة وزيد بطـّالا ما داما يصلّيان جنبا الى جنب ويصومان معا اذ ـ المسلم أخو المسلم ـ ما دامت هذه الأخوّة لا تطبّق على  مستوى الواقع في اقتسام الأموال بأخوّة أو في التصاهر الذي يعتمد ـ التّقوى ـ محكّ أوّلا وأخيرا.

ـ لا يهمّ أن هذين الأخوين المسلمين ينفصلان حالما يغادران المسجد الى :

ـ أخ مسلم يبيت في قصر يعلم الله من أين بناه وأخ مسلم يبيت في ـ جحرـ

ـ أخ مسلم يأكل جراد البحر وأخ مسلم يأكل جراد الصحراء

لانّ هذه الفروق الاقتصاديّة انّما تتعلّق في نظرهم بـ ـ وسخ الدنيا ـ أي الزراعة والصناعة والحكم الذي يتصارعون من أجل الفوز به.

من أجل هذا يفزع السلفيون لمجرّد تصوّر عامل تونسيّ مثلا يصوم ويصلّي ارضاء لربّه وينخرط في تنظيم يساريّ لائكيّ دفاعا عن مكانه تحت الشمس.

ولذلك فهم يطلبون من المؤمنين حتى يسلّموهم صكوك الغفران أن يعلنوا منذ البداية أنّ الايمان معاد للشيوعيّة في حين أنّ الايمان يهمّ علاقة الانسان بربّه ولا دخل لهم ، هم ، في ذلك.

والشيوعيّة تهمّ أساسا علاقة الانسان بالانسان في ما يتعلّق بقضايا الشغل و الأجور والسكن والتعليم والحرب والسلم في حين أنّ بيوت الله بنيت ليذكر فيها اسمه لا لتحبيب الناس في الرأسمالية وتخويفهم من الاشتراكيّة.

لذلك نرى الفزع يحيل لون وجوههم عندما يرون شيوعيّا صائما مع الصائمين أو مصلّيا مع المصلّين وذلك بالرغم  من أنّ شعار التونسي العادي كان في الواقع دوما ( قم بالفرض وانقب الأرض ).

ـ لا تثيرهم صورة المتّهم بالتهريب عندما يدخل بيت الله.

ـ لا تثيرهم صورة ـ الزّاني ـ عندما يصوم  ويصلّي.

لأنّ الله ـ غفور رحيم ـ

ان السؤال الكبير الذي يجب أن يحتلّ مكانا خاصّا في النقاش هو في نظري :

لم يصمتون عن كلّ  ما يتعلّق بالاختيارات الاقتصاديّة في البلاد ؟

وهل يوجد تناقض في نهاية المطاف بينهم والرأسماليّة وهم لا شكّ يمثّلون جانبها التجاري والتبادلي على الأقلّ في هذه المرحلة ؟

ثمّ اليسوا في هذه المرحلة مرشّحين أكثر من غيرهم ان عرفوا الى القناعة بجزء من ـ القاطّوـ سبيلا وأظهروا اعتدالا مقبولا  لأن يكونوا طرفا هامّا في الحكم في توجّهاته الليبراليّة ؟ اذ لا أعرف الى حدّ اليوم نقابات ولا أحزاب سياسيّة يمكن أن تغطّي على الصراع الطبقي والاجتماعي باسم شعارات متعالية  مثل شعارات التيّارات السلفيّة .