بقلم  محمد الناصر النفزاوي

الطيب آيت حمودة ،
الإسلامي  الجزائري الأمازيغي:
تأمّلات في الثورة التونسية
(جانفي / فيفري    2011)

 

ما يجهله الكثيرون في بلاد المغرب أن شقّا من الأمازيغ درج على الانتصار لإسلام النزول انتصارا يصعب تصوّر مثيل له ولكنه يعادي ما وراء ذلك اعتزازا منه بقوميته الأمازيغية ولذلك هو يسعى الى قراءة تاريخ العرب و الأمازيغ بعد فترة النزول قراءة أقل ما يقال فيها إنها  تقف من القومية العربية  موقفا متحفّظا.

ومن أشهر من عبّر عن هذا المنحى الروائي الجزائري علي الحمّامي خاصة.أما مواطنه  القبائلي الطيب آيت حمودة(وأنا استنتج هذا من إشارة آيت  حمودة الى ولادته في المنطقة التاريخية الثالثة وكذلك من موقعه في الإنترنيت:"أذرار أومازة")                  فلسوف يكون أكثر من الحمّامي قسوة على العروب/يّة والإسلام/يّة اللتين لا تريان في تامزغا غير كمّ ملحق بهما. تفكير الطيب آيت حمودة انعكس على نظرته الى أحداث تونس منذ 14 جانفي2011 الى سقوط حكومة الغنوشي نهاية فيفري ولذلك رأى الموقع عرضها على زائرات الموقع وزواره خاصة أنها تتضمن في أحشائها قراءة لتاريخ بلاد المغرب الخاص ما أبعدها على سبيل المثال عن قراءة الإسلامي الليبي علي الصلاّبي في ما تناول من كتب " تدعي في العلم بتاريخ بلاد المغرب معرفة" حتى لا نتحدث عن إسلاميي "الإنقاذ" في الجزائر بل عن عدد من " العلماء المسلمين الجزائريين" ومنهم الشيخ ابن باديس نفسه.

 

خمس مقالات في الثورة التونسية

(جانفي/فيفري 2011)

 انتفاضة تونس في طريقها إلى التتويج .


الطيب آيت حمودة

الحوار المتمدن - العدد: 3246 - 2011 / 1 / 14

 

الثورات الناجحة هي تلك الثورات التي تأتي نتيجة ظروف طبيعية صادقة ، تستمد وقودها وقوتها وعنفها من الإرادة الشعبية ، وبوادر نجاح انتفاضة تونس التي بدأت حليمة سلمية ثم تحولت إلى سيل جارف من الدمار عم البلاد بعد سنوات من الاستقرار المزيف ، ستصبح بلا شك مثار إعجاب لما ستحققه ، فهي مثيل وصنو لهبة رومانيا على شاوسيسكو في أواخر1979 ،


**ثورة رائدة ...إن استمرت وأثمرت .


أنا معجب بانتفاضة أشقائنا التوانسة ، الذين أبانوا عن جلد وصبر ضد النظام المستبد ، فلم يهنوا لرابع أسبوع من الانتفاضة ، رغم التهديد والعنف ، وسقوط الأرواح بالرصاص الحي ، لأنهم اقتنعوا بعد لأي وتجربة أن المطالب لا تُمنح بقدر ما تُنتزع ، وأن المكاسب لن ننالها بالتمني ، وإنما نحققها بالجهد والمثابرة .
وإن استمر ت الانتفاضة وحققت مبتغاها ، فستكون انتفاضة قدوة ، ليس في الشمال الإفريقي فحسب بل في الشرق الأوسط والعالم جميعه ، وإن تمكن نظامنا في الجزائر تدجين انتفاضة الشباب المروعة التي كانت عفوية بجعلها انتفاضة ( زيت وسكر) والحُكم على مقترفيها بالغرامات الجزافية والأحكام بالسجن ، عبر محاكمات ماراطونية ليلا ونهارا ، فإن ما يقع في تونس ينبئ بأن الخطب جلل ، وأن التوانسة في الطريق قريبا إلى قطف ثمار هبتهم وانتفاضتهم المباركة التي تنبأ عن سؤدد ها شاعرهم الشابي منذ زمان القائل ( إذا الشعب يوما أراد الحياة * فلا بد أن يستجيب القدر ).


** زين العابدين ... سيجرفه التيار .


النظام في ربع حياته الأخير..وهو ما أبانه خطاب الرئيس الديكتاتور في خطابه الثالث الشبيه بخطاب ديغول في مقدمته (.. قد فهمتكم ...)، الذي بدت فيه الهزيمة واضحة ، لما أعترف به من أخطاء صريحة وضمنية ، ففسح المجال لحرية التعبير عبر وسائل الإعلام ، وأن لا رئاسة مدى الحياة بعد اليوم ، وإطلاق الحريات السياسية ، وفسح المجال للاحتجاج السلمي ، ورفع الغبن على الشعب هي تطمينات و محاولات لإسكات الشعب بجعل تمرده مطلبي لا مطلب تغيير جذري ، وما ظهور بعض المظاهرات المبتهجة بالخطاب سوى محاولة إجهاض الانتفاضة قبل بلوغ منتهاها المعقول .


** هل ستصبح انتفاضة تونس صنو للثورة الفرنسية.؟؟ التي أحدثت تبدلات عميقة في المجتمعات الأوربية ، بما أعلنته من حقوق الإنسان ، وتحويل التنظير الفكري لفلاسفة القرن السابع والثامن عشر إلى واقع معيش ، وبقيت بذلك ملهمة لكل الشعوب التواقة للحرية .. فإن انتفاضة تونس إن استكملت قطف ثمرة نجاحها وتسجيل الهدف بامتياز في مرمى النظام الفاسد ستًُحقق معجزة ؟ لسببين أولهما أنها شذت عن انتفاضات مشرقية ومغربية مجهضة سابقا ولاحقا، وثانيهما أنها أبانت أن الأسلوب السلمي مع الحكومة المستبدة لا يجدي نفعا إذا لم يواكب بعنف وقوة ! .


** أنظمة الجوار في حالة ذهول ....


الأنظمة المستبدة اللا ديمقراطية ، أو التي تتظاهر بالديمقراطية وما هي كذلك ، أصابتها صعقة خوف ستجبرها على الانحناء قليلا لشعوبها قبل فوات الأوان ، وهو ما ستنتبهُ له بلا شك الأنظمة في الجزائر وليبيا ومصر وسوريا واليمن ، وها هي بواكير الخلخلة والخوف تظهر بتنزيل أسعار المواد الغذائية في ليبيا و الأردن ، وستتبعها أخرى .. وهو ما يشير إلى أن نجاح انتفاضة تونس مؤشر قوي لحدوث تغييرات جوهرية في طبيعة الأنظمة طوعا أو كرها لوجود متشابهات في ما بينها.
**
الأُمتاَن المغاربية والعربية تنتظران بصبر ما ستسفر عنه المصارعة في تونس ، فنجاح النظام في كبح الانتفاضة وتدجينها وإجهاضها عبر الوعود الكاذبة ، يعني استمرار الحال والمُحال كما كان بلا منتهى ، وفي حالة ثبات النصر واستجابة القدر لإرادة الشعب ، فإن عصرا جديدا من الديمقراطيات الحقيقية سيجرف آل القذافي و آل صالح وأمثالهما في مصر والجزائر وسوريا بلا رجعة وعودة ، وستشرق شمس الحرية على شعوبنا من جديد ، وبذلك يتجدد الأمل في الحياة ، وتصبح بلداننا مراكز استقطاب لأبنائها أكثر منها مناطق طرد لها ولكفاءاتها عبر قوارب الموت .

 

عبد الرحمن اللهبي ، الهلاليون وانتفاضة شعب تونس ... وأشياء أخرى.

الطيب آيت حمودة

الحوار المتمدن - العدد: 3247 - 2011 / 1 / 15


 

أفرحني ما أورده ( عبد الرحمن اللهبي ) السعودي حول انتفاضة تونس وهبّتها وبلوغها شأوا من الفذة والجراءة ، تعدت الكثير من الشعوب العربية والإسلامية في الجلد والصبر لبلوغ المرامي ولو تضحية بالأنفس والنفيس ، بعد أن تعودنا ومللنا ميل الشعوب الإسلامية إلى الركون والخنوع من باب ( لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) أو إلى باب جديد صاغه جمال الدين الأفغاني ( كما يولى عليكم تكونون).
وما هالني وأزعجني وأترحني ، هو البداية العنصرية للمقال الذي استند في وقائعه إلى أحداث منتصف القرن الخامس الهجري والذي عنونه ب/ ( يا له من شعب .... ) الرابط:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=241637

ورد فيه تعبيران لا حس إسلامي فيهما البتة ، بجعله شعب تونس هلاليا دون إشارته للإسلام ( نسبة لقبائل بني هلال ) ، وجعل أبناء تونس كلهم أحفادهم دون غيرهم من خلق الله ، وذاك شطط قد نحسبه من فواجع الألم الأموي بفجاجته وقسوته ، أو أنه من إرهاصات المد الفكري العروبي البعثي العفلقي ، الذي فعّله محمد عمارة في كتابه التيار القومي الإسلامي . ومن سار  على دربه من الساسة ودعاة العنصرية ، التي ُتقبل لفائدة العرب ( لأنها من الإسلام ) في حين ترفض للغير وتحسب شعوبية منكرة ، لأن قومية الآخر لم ترد في القرآن باسم ( الأعراب ) الذين أنزلهم الله قدر منزلتهم الفعلية في تسع آيات محكمات .


*** بعض العرب بارعون في تلوين الأحداث لصالحهم دائما

.
إن ما قرأته من تحجيم الآخرين على لسان أستاذنا (اللهبي ) ينم عن رغبات في طمس الحقائق ، فالهلالية في حقيقتها ما هي إلا طيف من أطياف المجتمع التونسي في خصوصه ، والمغارب في عمومه ،هذا المجتمع الناطق بلغة الضاد ، في حقيقته من دماء غير عربية ، بدعوى أن القبائل الهلالية وملحقاتها قد ذابت في النسيج البشري الأمازيغي بنفس الحدة التي ذاب فيها الأمازيغ في عرب المشرق ، فالمرافقون للهجرات نحو المشرق أيام الحروب الفاطمية ، أو في أحداث الحروب الصليبية التي هب إليها الأمازيغ نصرة للمسلمين ضد الزحف النصراني الصليبي ورغم ذلك لم نتجرأ يوما بالقول : أن المشارقة المسلمين أمازيغ ؟ فالانتساب عندنا في شمال إفريقيا للأرض وليس للجنس ، ودولنا علمانية وطنية لا تُقيم للجنس وزنا ، فقيمة المرء من قيمة ما يقدمه للمجتمع البشري الذي يعيش فيه ، من خير عميم بفكره وعلمه وعمله .


**حقيقة الغزو الهلالي بمنظور الآخر ...


فالهجرة الهلالية التي تعتزون بها ، وتُنسبوننا إليها (كما فهمت ) هي غزو مركب ، أتى إلينا بعد أربعة قرون من تمكّن الإسلام و اللغة العربية بيننا معشر الأمازيغ ( أي في حدود 450 هجرية) ، والحضارة التي ترى بأنهم نقلوها إلينا هي حضارة ( السلب والنهب ، وقطع السبيل )، كيف لا وهم أنصار القرامطة في تعطيل الحج وسرقة الحجر الأسعد ، والدولة الفاطمية هي التي أرسلتهم للانتقام من الصنهاجيين الأمازيغ المنشقين عنها . وهم الذين وصفهم ابن خلدون القريب من عهدهم ( بالجراد الذي لا يبقي شيئا ) والذين أدخلوا المغرب في دوامة القتل و الاقتتال والانحطاط أسماها المؤرخون ( بالعصر المظلم ) من تاريخنا ، ولم يقدر على شقوتهم سوى الموحدين الذين هزموهم وبدّ دوهم ، وفرقوا جموعهم بواقعة (سطيف )، وساعدوا على توزيعهم على أقاليم دولتهم في المغرب الأقصى ، وأدرك السلطان الموحدي صاحب ملحمة الأرك ( أبو يعقوب المنصور ) خطرهم متأخرا وقال وهو يصارع الموت في قصره بين مريديه وحاشيته ، بأنه ندم على ثلاثة أمورفي حياته من بينها ( إدخال العرب الهلالية للمغرب الأقصى )، أما تغريبة بني هلال بأخبارها فهي عمل خيالي فني بعيد عن الحقيقة وهو من نسج الوضّاع ومنمقي الشعر ، فهي صنو للميتولوجيا الهوميرية ، وهرطقات سيف بن ذي يزن ومثيلاتها ، والتي لا يمكن اعتبارها ( التغريبة) تاريخا موثوقا ،ولو أفردها الأبنودي جزءا من عنايته .


**انتفاضة تونس انتفاضة شعبية شارك فيها الجميع .


الشعب التونسي مازال متواصلا في انتفاضته لم تثنه تنازلات بن علي الكاذبة ، ولا القنابل المسيلة للدموع ،ولا الرصاصات الطائشة والمصوّبة ، ولا الميليشيات المندسة بين صفوفه ، وهمه موجه بثقة لإنهاء حكم الطاغية وزبانيته ... وهو في الطريق إلى تحقيق حلم ملايين المغاربة من سيوة إلى الأطلسي .
وهو ليس في حاجة إلى تحديد ملامحه الإثنية لأنه يدرك بأنه من سليل هذه البلاد المعروفة (بإفريقية ) أحفاد حنبعل ومسينيسا صاحب مقولة ( أفريقية للإفريقيين ) ويوغرطة ، و شيشنق ، و سبتيم سيفيروس وغيرهم من فطاحل هذه البلاد لاحقا . ولا ينثني ولن يرضخ حتى للتهديدات وحالة الطوارئ ، و لا لمنع التجمع لأكثر من ثلاثة ، فهو قد ثار وثورته تتحدد بإنزال بن علي من السلطة لممارسة اللعبة السياسية عند جدارة واستحقاق ، رغم ما يبدو من ظهور بواد ر سرقة لنضالات هذا الشعب بعد هروب بن علي خارجا ، عبر مسوغ دستوري في مادته السادسة والخمسين (56) والتي تنص على أنه في حالة إن تعذر على رئيس الجمهورية القيام بمهامه بصفة وقتية أن يفوض بأمر سلطاته إلى الوزير الأول ) ، غير أن قراءة المادة بتأن يظهر أنها غير صالحة للتطبيق على ما وقع ، لأن رئيس الجمهورية معزول بإرادة شعبية ، وسلطاته انمحت بمجرد مغادرة البلاد التونسية ، فلا يمكن لمعزول أن يثبت وزيره الأول ، والظاهر أن المادة القانونية 56 ،وضعت لحالة شغور في حالات مرض الرئيس أو انتقاله في مهمة طويلة المدى ، وليس المقصود منها ثورة ضده، والأصلح للتطبيق هي المادة 57 التي تنص على أن استقالة ( هروب ) بن علي يتطلب اجتماعا للمجلس الدستوري فورا ، الذي يقر الشغور بالأغلبية ، ويتولى رئيس مجلس المستشارين ورئيس مجلس النواب مهام رئاسة الدولة بصفة مؤقتة لمدة لا تزيد عن 45 يوما ، وهو ما يُظهر أن لعبة خفية قد حيكت ضد نضالات الشعب التونسي الذي لم يقل بعد كلمته الأخيرة ضد بقايا النظام الفاسد ؟ فانتظروه في الأيام القادمة .


**ومن الكلام ... ما يستفز أحيانا .


الأمازيغ في شمال إفريقيا لم تكن للدعوة القومية سبيل الى نفوسهم ، فهم تداخلوا وتناغموا مع جميع الأقوام التي وصلت إليهم سلما وحربا ، بكثرتهم وقلتهم ، ببقائهم ومغادرتهم ، ففي مثل هذه الأفكار التي صاغها (اللهبي ) يكمن الضرر ، لأنها أفكار تبعث على الرد والإبانة عن النفس بذكر الحقائق كما وقعت لا كما يريدها أمثال صاحب المقال ، ولو لم تكن عنصرية العرب ، لما كانت هناك شعوبية العجم البيضان والسود السودان ، وأعجبني أحد المنتخبين السودانيين الذي قال بأن استقلال جنوب السودان عن السودان الأكبر سببه رغبة الأقلية العربية المسلمة ، تغليب منطقها الإثني والديني على الأغلبية الإفريقية السائدة ، وهو ما ولد مقارعة و معارضة استمرت لأزيد من خمسين عاما .
أو ليس ما يقوم به الموالي وأهل الذمة في البلاد المعروفة اصطلاحا ( بالوطن العربي ) من معارضة وإبانة عن نفسها وذاتيتها وتاريخها هو ا استنساخ لما قام العرب أنفسهم ( بشريفهم الحسين ) بتوجيه من الأنجليز ولورانس العرب ضد الخلافة العثمانية ، إبان الحرب الكونية الأولى ، ومنه سقوط الخلافة بمعاونتهم ، أوليس ذاك الشبل من ذاك الأسد ؟ ، وهي تمهيدات لهزات أخرى قد تعرفها مصر مع أقباطها إن لم تُعدل الأمور سريعا وقريبا لجادة الصواب ، في إطار الدولة المدنية العادلة ، التي تنظر بمنظور واحد الى الجميع ، وإن شابه التنوع الديني واللساني والفكري .


** مسميات عنصرية مؤد لجة وهدامة .


القول بعروبة شمال إفريقيا الشاملة بمدلولها ، عنصرية مقيتة ما كان أن تلفظ أو تقال من لدن عليم بتاريخ المنطقة وخصوصياتها ، وإصرار البعض عن التسمية هو مبعث فتنة ، لأن القوميات الكامنة المحجورة بدأت تستفيق من وقعتها ، فهي أصبحت تدرك أصولها ،وتعرف تراثها وتاريخها المتميز ، وتعلم خطوات العروبة البعثية المؤدلجة التي أوصلتنا إلى طريق مسدود ، واللعب بأوراقها أصبح مكشوفا لا ينفع أمام الضربات المقلاعية لانتشار المعرفة بخفاياها المستورة ، وأمام تشعب وسائل التواصل بين الشعوب ، فقد غدا إقناع الفرد أمر صعبا ، وهو ما نشهده في هبّة الشباب وانتفاضتهم في تونس والجزائر ، هذا الشباب الذي يتمسك بوطنه ووطنيته أكثر من قوميته .
وعذرا لأخينا وأستاذنا (عبد الرحمن اللهبي) عن كل زلة في اللسان ، أو سوء فهم وتقدير لما قيل ، فما قلناه لا يعدو أن يكون من باب الرد والتذكير بحقائق الأمر المغيب، ولأن التذكر ينفع المؤمن ، وحري بك أخيرا أن تقول يا شعوب يعرب خذوا العبرة من بني مازيغ أفضل، من قولك خذوا العبرة من بني هلال ! .

 ثورة يناير بتونس ... دروس وعبر.


الطيب آيت حمودة

الحوار المتمدن - العدد: 3249 - 2011 / 1 / 17

أشعل شباب تونس من سيدي بوزيد وقود انتفاضة كان البوعزيزي وقودها الأول ، سرعان ما تحولت إلى ثورة عارمة ما كانت في الحسبان ، لأنها ثورة كانت محبوسة في النفوس مُعدة في الأذهان ، تنتظر من يحولها إلى انفجار مدوّ يتردد صداه مغاربيا ،ومشرقا عربيا ،وعالميا ، ومن سرعة انتشارها وتجاوب المجتمع بمختلف فئاته في تبنيها ، ُقطفت ثمارها بسرعة ، ما كنا نتوقعها وما كانت ببال الذين استهجنوها بقولهم ( أتحسبون دولة بن علي كارتونية ؟ ) .
المهم أن شعب تونس كان ترجمانا صادقا لما أورده الشابي في قصيدته العصماء ( ومن يخاف صعود الجبال ، يعش أبد الدهر بين الحفر) واقتنع متفائلا بأن صعود الجبل لن يكون سهلا ، لكنه صعد و فعل .


* ما يبهجنا كمتتبعين لما يحدث -حتى حسبنا أنفسنا تونسيين أكثر منهم - هو أن حالة المغرب الكبير متشابهة من ليبيا إلى الأطلسي بشنقيطه ، فهبة تونس نحسبها منا وإلينا ، فهي العبرة والمثل ، وهي مثال عن غضبة شعب عندما يُهان ، وهي درس نافع للظالمين والمظلومين على حد سواء ، ونعتبرها بداية سقوط أصنام الاستبداد التي حتما ستهوى تباعا برغبتها إما اعتبارا ، أو تكسيرا لأصنامها عنوة ، وهو ما ستنبئُنا به الأيام إن عاجلا أو آجلا .


* وخوفنا أشدّ من الالتفاف على هذه الثورة من لدن شخصيات كاريزمية ، تبحث لنفسها عن منفذ للتنفّذ وتحقيق حلم العمر لها ، وقلقنا يزداد عندما تتراءى أوجها تلعب على الحبلين القديم والجديد ، تتبوأ المكانة الأرفع في تعيين الحكومة المؤقتة بحقائب وزارية لمن دفعوا أهل البلد للانتحار ! في الوقت التي يفترض فيه كنس الدكتاتور بن على وكل نظامه وزبانيته وحتى الحزب الدستوري الحاكم الذي كان المطبل الأول للرئيس المخلوع ، وتكوين ( الجمعية التأسيسية) أكثر من ضرورة ، وهي التي تتولى تعيين الحكومة المؤقتة وتشرف على آليات إعداد دستور تونس الجديدة .


حتى لا تتكرر تجربة الجزائر الفاشلة....


ثورة الجزائر التحريرية المجيدة التي حققها الشعب بتضحية فاقت مليونا ونصف من الشهداء سرقت في بداية الاستقلال ، المجتمع مبتهج ويقيم الأفراح في صائفة 1962 ، وآخرون يخططون للاستيلاء على السلطة ، فكانت جماعة تلمسان بأركانها تعد نفسها لقطف ثمار الثورة ...، وزحفوا على العاصمة وأسقطوا الحكومة المؤقتة ،بقيادة بن خدّة ، وتربع بن بلّة رئيسا على البلاد بعد إنشاء ( جمعية تأسيسية صورية) انشق عنها فرحات عباس لما لا حظه من انحراف باتجاه سلطة ممركزة ، وصعد آيت أحمد الجبل لنفس السبب ، فوُضع دستور 1963على المقاس من لدن أجانب وغرباء عن الثورة ، استعملهم بن بلة كمرشدين ومستشارين ، وبتأييد ومباركة من جبهة التحرير الوطني ، كما تم تركيز السلط في شخص الرئيس ، وهما ما ساعد على تغلغل الجيش وهيمنته على دواليب الدولة ، وهما الإرهاصان اللذان سببا نكسة الجزائر في مختلف المراحل والمستويات الأفقية والعمودية إلى يومنا هذا ، فالغروس الماضية نجنيها بمظهر طغيان النظام العسكري الذي انقلب من حام للبلاد إلى حام لنفسه وسلطته وريوعه


جيش تونس حصن منيع لثورتها .


إن ما يقوم به الجيش التونسي من ترصد لمواقع بقايا النظام السابق ، في المدن بمعاونة من لجان الأحياء ، أثمر عودة الأمن والطمأنينة ، وهي خطوة تنبئ بأن المكتسب الثوري لن يضيع ما دام الجيش في حمايته ، فهو الحصن المنيع للثورة ، وهو ما أدركه التوانسة منذ البداية .


أنظمة الجوار ساكتة إلا القذافي ..


الحكومات الجاثمة على شعوب المغرب الكبير مصدومة للواقعة ، فهي في حالة ترقّّب وخوف ، لعل في إقدام بعض شباب الجزائر على حرق نفسه تماهيا مع ما فعله البوعزيزي رحمه الله ، ما يشير بوضوح الى وحدة الألم والأمل ، وانسياح معوزي ليبيا على مشاريع الإسكان التي استولوا عليها وسط تعتيم إعلامي ليبي سافر ، ما ينذر بأن الأنظمة في حالة ترقب لما ستأتي به الأيام من خفايا وخبايا ، فإما أن تعجل في إصلاح حالها وأحوالها تجاه شعوبها ، أو يلفظها التيار الثوري الجارف .
القذافي هو الوحيد الذي هذى ، وهذيانه بليد وازدجر ، فحسب الشعبَ مخطئا وهو المصيب الأوحد ، وظن نفسه قادرا على رد عقارب الساعة خلفا بإعادة صنوه إلى حكم تونس منعة له . واستغرب من سكوت شعب ليبيا عن عظيم إفريقيا الأبله ، الذي يشتري المجد لنفسه بثروات الشعب الليبي الشقيق ، أما في الجزائر فإن بوتفليقة لا أثر له في وسائل الإعلام بعد أن كان ساكنا فيها أيام عهدته الأولى ، وقد يكون السبب هو تقديره أن ما عاهد عليه شعبه لم يتحقق ، أو أن زبانيته أفهموه ما يمكن أن يفهم في مثل هذه الحالات .


**الغرب ومنطقه البرجماتي في التعامل مع الأحداث ..


عندما نسمع أبواق الغرب نحسبه ديمقراطيّا فوق اللزوم ، غير أن الحقيقة تظهر العكس . لماذا تأخر( الكيدورسي) عن إعلان موقفه مما يقع في تونس ؟ ولماذا أحجم ( البيت الأبيض)عن التفاعل مع الحدث إيجابا ؟ لا غرو أن ذلك مقصود ، فمصالحهما لا يمكن التفريط فيها  ما دام أن الأمور لم تتضح فيها لمن الغلبة ؟ أي أنها لم تحسم بعد لصالح من ؟ فهي مع الواقف دائما وأبدا !!، وزين العابدين خادم أمين لسياستهم في إلجام المد الإسلامي الدعوي ، وحجب أوروبا عن السيل الدافق للمهاجرين الأفارقة ، وكم تمنوا بقاءه واستمراره في الحكم ، فتغيير الأنظمة مكلفٌ لهم يا سادة ، فقد يأتي من يلقم أفواههم حجرا بعد أن تعودوا ملأها ذهبا ؟ لكن ُإرادة الشعوب لا تقهر ...ولا بد من الظهور بالمظهر الذي لا ينفر شعوبهم منهم، فكان تجميد أرصدة زبانية بن على وحاشيته في فرنسا ! ، وكان إعجاب أوباما بثورة شعب تونس !


**السعودية والإمارات وأموال تونس المهربة...


تقديرات الأموال التونسية المهربة نحو الخارج من قبل النظام المعزول وأذياله بلغت الخمسين مليار دولار ! جزء كبير منها رافق ليلى بن علي ذهبا ونقدا باتجاه دبيّ ، وجزء أكبر مع زين العابدين باتجاه السعودية . فهل ستعيد الأنظمة العربية في البلدين الأموال المسروقة الى أصحابها ؟ أم أن ظلم ذوي القربى أشد مضاضة من وقع حسام الغرب المهنّد ؟.

مفصّل القول أن ثورة تونس الشعبية أحدثت خلخلة بيّنة في المجتمع (المغاربي والعربي ) ، و فتحت عيون العباد على حجم المفاسد المحجوبة والمسكوت عنها ، وهي أدوات حاسمة تدعو الى الإصلاح أو الانكسار ، فشطحات الأنظمة ووعودها المفبركة الكاذبة أصبحت بلا مصداقية لا يؤمن جانبها ، وبذلك بدأت شعرة معاوية في التقطع ، لاختفاء الثقة بين الحكام والمحكومين ، الحكام الذين أبانوا بأنهم خدام أنفسهم لا خدام شعوبهم .

 من يريد إجهاض ثورة تونس ؟


الطيب آيت حمودة

الحوار المتمدن - العدد: 3252 - 2011 / 1 / 20

 

تونس التي ألهبت النفوس بانتفاضتها الشعبية ، وأصبحت على كل لسان من المحيط إلى الخليج ، بل وأصبح بوعزيزها رمزا من رموز الثورة ضد جبروت الأنظمة الحاكمة ، هذا الشعب الذي تمخض فولد ثورة ( الياسمين ) التي وإن لم يكتمل نجاحها ، لكنها في طريق التتويج الكلي إن وصلت ضغطها السياسي السلمي .، فهي حققت في بضع أسابيع معجزة إسقاط نظام لم يتصور أحد سقوطه بهذه السرعة المتناهية التي قد يكون للقدر فيها ضلع محمود.


***ثورة لم تكتمل بعد...... .


إن استمرار الاحتجاج ، وزيادة الضغط الشعبي خاصة بعد عودة المعارضين الى البلاد ، مرده شعور بسرقة الثورة . ، فالثورة التي كان مطلبها الأساس هو القطيعة مع نظام الرئيس بن علي لم تتحقق بعد ، فالمناصب السيادية في الحكومة الانتقالية كلها في يد وزراء من عهد بن علي [*] ، وهو ما يدعو إلى الى الاستغراب فكيف يتسيدُ ويستبد أفرادٌ بمناصب هامة في الحكومة الانتقالية ،والثورة قامت ضدهم بسبب فسادهم أو فساد رؤسائهم ، وهو ما يعني أن طبخات طبخت على عجل بين رئيس الحكومة ورئيس البرلمان ، وهو ما يوضحه تتويج محمد الغنوشي لنفسه كرئيس بالنيابة ، على شاكلة نابليون بونابرت ، ثم تراجع لانفضاح أمره ، لوجود عائق قانوني متمثل في المادة 57 من الدستور ، ولا شك أن الكولسة وتبادل المنافع لعبت دورها وفعلت فعلها بين محمد الغنوشي وفؤاد المبزع ، والفريق الحكومي القديم ، بركوب صهوة الثورة لقطف ثمارها ، وبزيادة الضغط الشعبي اضطر هؤلاء  الى إعلان انسحابهم من الحزب الدستوري الحاكم ، وفصلوا بين الدولة والسياسة ، كما فسخوا عضوية سيدهم الهارب بن علي . ، ولسان حالهم يقول حيثما دارت المصلحة فنحن معها .


***طبخة تونسية بثلاث أكلات .


*المشهد السياسي في تونس بعد هدير الثورة ينبئ بأن طبخات أعدت لامتصاص الأزمة و الثورة ، بجعلها ذات مطالب اجتماعية لا غير ، و علاج الإشكال في حاجة إلى إصلاح أكثر منه إلى تغيير جذري في أنظمة البلاد ، وهو ما تسعى إلى تحقيقه شخصيات العهد البائد الذين سيطروا على الموقف ، فهم تلوّنوا بلون الثورة وتبنوها ، ودخلوا بقوة في تشكيلتها ، وهو أمر تنبه إليه الشعب الذي استمر في التظاهر والاحتجاج مطالبا بتنحي هؤلاء من الحكومة الانتقالية ، وقد تتضح معالم المشهد بعد نتائج الاجتماع الطارئ للمعارضة بعد انسحاب أ ربعة من وزرائها .


* الثورات الناجحة هي تلك الثورات التي تسقط كل رموز النظام السابق ، وتدخل الحلبة بتصورات جديدة مستلهمة من الإرادة الشعبية عبر مجلس تأسيسي تشارك فيه جميع الفعاليات السياسية والفكرية والاجتماعية ، تضمن وصول الثورة إلى بر الأمان ،عبر ميكانيزمات محكمة لصالحها لا لغيرها وهذا يتطلب مسح كل الهياكل والأجهزة السابقة بهيئاتها الفاعلة بما فيها البرلمان .


* الطبخة الأخيرة الأخطر ، تتمثل في دفع الشعب إلى الهدم الذاتي والانتحار ، عبر أخطار ، منها خطر الحرس الجمهوري الذي تحول إلى مليشيات تجوب الشوارع بسيارات مزورة الهوية لاقتناص المواطنين ، وتخريب المنشآت ،همهم هو إجهاض الثورة وإدخالها في دوامة الاقتتال على شاكلة ما وقع ويقع في العراق ، وهي حتمية بعيدة المنال لوجود كفاءات فكرية وطنية قادرة على إرباك الفاعلين ورأب الصدع قبل استفحاله .


*** ثلاث طبخات منها ما أُعد ، ومنها ما هو في طريق الإعداد ، وهي ضريبة جزافية قدر على الشعب التونسي أن يتذوقها بالقلة أو الكثرة ، والسرعة في حسم الموقف سبيل للنجاح ، لأن التماطل والتريث في قطف ثمار الثورة لصالح الثوار الفعليين لا المنفعلين ، يستدعي نفسا ثوريا أطول ، وشجاعة أكبر ، حتى لا تجهض الثورة بسبب المتربصين بها في الداخل والخارج ، والذي بدا واضحا جليا من حكومة اليمين الفرنسي على لسان وزيرة خارجيتها ( ميشيل أليو- ماري ) القائلة بأنها مع نظام بن علي ،والتي لم تتوقع اندلاع الثورة وسقوط النظام التونسي بهذه السرعة ! ومثلها فعل الجار القذافي بنصائحه البلهاء للثوار التونسيين  ، كما أن أكبر الخطر يأتي من مقررات شرم الشيخ العربي الاقتصادي!

.
**
مؤتمر حكام العرب في شرم الشيخ ، ظاهره اقتصاد ، وخفيّه سياسة .
يبدو أن إحساس الأنظمة بمخاطر ما يجري في تونس ، استدعي وحدة العمل ، وتكاثف الجهد لاستبعاد إمكانية تكرار ما وقع ، خاصة أن بوادر انتقال العدوى بدأت ترتسم ، في ازدياد عدد المنتحرين حرقا على الطريقة البوعزيزية في الجزائر ومصر واليمن ، والمسيرات الاحتجاجية التي زاد الطلب عليها في غالب الأقطار أسوة بما يجري في تونس ، فحتى دولة الكويت سارعت إلى منح هبة سخية لشراء ذمم مواطنيها ، خوفا من تكرار الفاجعة ، أو حدوث ما يحدث حاليا في حراك شعبي في جنوب اليمن ، فالخطر الداهم آت لا محالة ، لذا على الدول المهددة ، والتي تتشابه مع نظام بن علي ، أن تغير من سياستها تجاه شعوبها ، حتى تضمن لنفسها البقاء ، ولا شك أنهم سيرسمون خريطة طريق تضمن لهم الاستمرار في عروشهم ، بكل الوسائل والسبل ، ولو بما هو غير اقتصادي وإنساني وأخلاقي ! واتفق العرب أخيرا بضخ ملياري دولار في صندوق للتنمية للتخفيف من وطأة البطالة وارتفاع الأسعار ، ولا أستبعد أن تكون لقاءات هامشية بين القادة العرب قد تمت( وهي أصل اللقاء) ، همها التنسيق لكيفيات خنق الانتفاضات والثورات ، أو حتى التفكير في إرجاع بن علي لسدة الحكم في تونس . وأكبر المخاطر يأتيها من جارتها الشرقية،لأن نجاحها يعني المزيد من الأخطار ضد الأنظمة الاستبدادية الفاسدة .


***وكم تمنيت أن تعقد الشعوب ( العربية ) مؤتمرا بديلا لها في (طرابلس ليبيا) لتقييم ثورة تونس ، وإمكانية تعميمها على باقي البلدان لكنس أنظمة الفساد فيها ، والتي تنخر مقدرات شعوبها عبر شبكة من المتحايلين والمرتشين من أصحاب العمولات ، والذين أدخلوا بلداننا في سجل جينيس للأرقام القياسية في مجال الاختلاس والفساد ، وفي كل يوم يظهرُ موقع وكيليكس حجم التردي الذي طال آل الحكام ، هذا التردي الذي أخّر بلداننا ، وأدخلها غرف الإنعاش والموت البطيء .
-=-=-=-=-=-=-=-=--=-=-=-=-=-=-=--=-=-=-=-=-=-=-=-=-
[*] 14
وزيرا من الحكم البائد (من أصل 23 وزيرا ) ، ومن حزب R.C.D يتربعون على وزارات السيادة في تونس بعد ثورة جماهيرها! فهم يشكلون الأغلبية المطلقة في هذه الحكومة ولو هي انتقالية، فأي ثورة هذه  التي تحتفظ بزبانية بن علي الذين أفنوا الشعب و قهروه وأذلوه في السر والعلن.ووزارات السيادة بين أيدي خمسة منهم بعد الثورة ؟ :
1)
محمد الغنوشي ، رئيس ا لحكومة .2) رضا قريرة ، وزير الدفاع .3) كمال مرجان، وزير الخارجية.4) أحمد فريعة ، وزير الداخلية .5) محمد رضا شلغوم وزير المالية .


 

 ثورة تونس ! ... يا صاحبة الجلالة والعظمة!

الطيّب آيت حمّودة

الحوار المتمدن - العدد: 3260 - 2011 / 1 / 28

 

بدأت ملامح ثورة عليّة ترتسم بإسقاط وجوه من الحكومة الانتقالية، وبدأ شبح سرقة ثورة يختفي تدريجيّا من فكر التونسيين، ولو ببقاء رأس الحكومة الذي هو ذات الشخص المغضوب عليه.
ولعل هذه النقلة ستعيد للبلاد والعباد توازنهم ، أو أن القوم لا يهدؤون ، ولا يتوقفون عن الاحتجاج حتى يسقط رئيس الحكومة ، فالزاحفون من ولايات الوسط والجنوب المعتصمون ، لا يتوقفون إلا بتحقيق الهدف الأسمى الذي من أجله تركوا ديارهم ومصالحهم وعرضوا أنفسهم للهراوات والغازات المسيلة للدموع .


من جانبي فلن أتوقف ، ولن يهدأ لي بال حتى يسقط آخر معقل للنظام السابق وتكوين مجلس تأسيسي شعبي يتولى مقاليد البلاد مؤقتا ، ليشارك الجميع في رسم آمال الشعب في التحرر والانعتاق وإعداد دستور يتطابق ومأمل الجميع .


*ثورة تونس الصغيرة بحجمها وشعبها ، الكبيرة بثورتها أحدثت لنفسها هالة من الكبر والعظمة ، في نفوس الأشقاء ، والأصدقاء ، وحتى الأعداء في بضع أسابيع ، وهو ما لم يقدر على خلقه لها نظام تأسيد على مقدرات البلاد ما يقارب ربع قرن ، لهذا فهي جديرة بأن تكون ثورة العظمة وصاحبة السبق والريادة .، وجوانب عظمتها مستمدة من أمور هي:


1) أنها ثورة عفوية من الشعب وبدون رأس حربة حزبية، فهي ثورة المظلومين والمقهورين الذين يتطلعون إلى غد أفضل وأرقي.


2) حياد الجيش التونسي، وإدراكه لمهامه الدستورية أعطى زخما للثورة، وهي سمة تحسب له، مقارنة بما يجري عند الآخرين الذين جعلوه مطية لتحقيق أهداف سياسية طموحة أو الحفاظ على مغانم دنيوية محققة.


3) التدرج في المطالب المرفوعة ، يظهر مدى قدرة التونسيين على استغلال الظرف المناسب لتحقيق الحد الأقصى من المطالب ، وسايروا منطقا سائدا عند زعيمهم بورقيبة الذي كان له شعار ( خذ وطالب ).


4)حجم الخسائر البشرية والمادية قليل مقارنة بثورات مثيلة سابقة ، وما يثلج الصدر هو تجاوب جميع الأطياف الفكرية والسياسية والثقافية و الاجتماعية مع الثورة ، فلم تظهر المعارضة إلا بصفة باهتة ، فحتى الشرطة المخطئة طالبت الصفح ، وشاركت في المسيرات .


5) انتقال إشعاعها الثوري التحرري إلى بلدان مشرقية ، فتماهت الشعوب معها في حراك احتجاجي في اليمن ومصر والسودان والجزائر وليبيا والأردن ،وما يقع هذه الأيام الأخيرة بمصر واليمن ينبئ بتكرار تجربة تونس على أوسع نطاق .


6) تصريحات الأمريكان والفرنسيين ، والاتحاد الأوروبي بالوقوف مع الشعوب في مسيرتها المطلبية ، (ولو هو من النفاق بمكان) ، أفقد الأنظمة الاستبدادية توازنها ، فإما أن تخضع سريعا لإرادة شعوبها في التغيير ، أو يبتلعها أتون الثورة المدمر .


7) الاستبداديون والظلمة من الحكام ، أدركوا ما ينتظرهم أخيرا ، قتل وشنق على المباشر ، أو انتحار محتوم، أو هروب بلا وجود مستقبلين لهم ، وما يلحقهم من تجميد للأرصدة وحجز للممتلكات المنهوبة ، ومطاردة من الأنتربول ... فحكامنا هذه الأيام لا ينامون ..... فإن ناموا فكوابيس ثورة تونس تلاحقهم وتنغص عليهم حياتهم اليومية وتلجم أفواههم، حتى وسائل أعلامهم لا تتعرض لما يقع في مصر واليمن من عظيم الخبر خوفا من انتقال أمرها إليهم.


8)سياسة تخفيض الأسعار ( رشوة مبطنة ) ، وتحسين الخدمات الاجتماعية ، والليونة التي تبديها بعض الحكومات في التعامل مع مواطنيها هي كلها شواهد دالة على إدراك الأنظمة لأخطائها ومحاولة إصلاح ما أفسدته وهي مرغمة .
9)
الترسانات العسكرية والأمنية في دولنا، والمقدرات المالية المقتطعة لها في السر والعلن، تظهر أنها موجهة قصدا الى حماية الأنظمة ضد شعوبها ، فهي أذرع فولاذية عصية لجلد الشعوب وكبتها واضطهادها وتخويفها لا لتحريرها واستقلالها .


10)الأنظمة الغربية تكيل بمكيالين ، فهي مع الأنظمة الاستبدادية سرا بما تقدمه لها من دعم لوجيستي وعسكري نظير تنازلات لصالحها في مجال نهب الثروات الطبيعية في بلداننا ، وعندما تلحظ بأن الثورة في طريقها إلى التتويج والنجاح تعلن تأييدها لها ، وهو ما وقع مع فرنسا والولايات المتحدة تجاه ثورة تونس ، وهو ما صححته في ما يبدو تجاه ما يقع في اليمن ومصر في الأيام الأخيرة .
11)
المملكة المغربية هي البلد الوحيد الذي لم تؤثر فيه ثورة تونس حسب ما يبدو ، إما لأن شعبها لا يعاني ما يعانيه الأشقاء ، أو لأن الأيام تخفي ثورة هادرة تكنس ما فيها من نظام مخزني فاسد يدعمه حزب الاستقلال الذي هو صنو لحزب جبهة التحرير الجزائري  وحزب الاستقلال التونسي ، اللذين رضعا النفاق معا منذ منصف القرن الماضي .

خلاصة القول إن ثورة تونس بشعبها أحدثا رجة عميقة في نفوس الأنظمة الاستبدادية في العالمين العربي والإسلامي ، وانفتحت أعين الشعوب على أن إرادتهم من إرادة الله ، وأصبحت تونس و نشيدها ( إذا الشعب يوما أراد الحياة ) على كل لسان من المحيط إلى الخليج ، لهذا يمكن عدها من الثورات الرائدة المؤهلة بجدارة للتتويج والتوشيح بعبارة ( صاحبة الجلالة )، ولا شك في أن نجاحها سيكون حافزا قويا للشعوب المظلومة في انتهاج نفس الأسلوب ، وكثيرا ما قيل بأن النجاح في أمر سيبعث الشوق للمتابعة وتكرار الفعل لجني نفس الثمار .


 

 ملحق

مقال عبد الرحمن اللهبي ، موضوع ردّ الطيب آيت حمودة (المقالة الثانية):

 

يا له من شعب

عبد الرحمن اللهبي

الحوار المتمدن - العدد: 3246 - 2011 / 1 / 14

 

إنهم بنو هلال الذين كانت مساكنهم في ساحة الملعب بين قيا بنو الحارث و غزايل و جيران بنو سعد بن بكر بن هوازن في أرض الحجاز العلي.لما ضاقت بهم الحال و جف الضرع حملوا عصى الترحال أرضا تحملهم و أرضا تحطهم و نصوا تثليث ثم خط الساحل حتى و صلوا العقبة فانحرفوا يسارا مخترقون سيناء و مصر حتى حطوا رحالهم في أرض تونس الخضراء و بنوا حضارة و ألّفت عنهم الملاحم الميثلوجية التي تروي حروبهم و كفاحهم و من أشهر تلك الملاحم (تغريبة بنو هلال) التي قرأتها يافعا و التي صاغها المبدع عبد الرحمن الأبنودي شعرا .
ابتلاها الله كما ابتلى رصيفاتها في المشرق العربي انتفضت الشعوب عندما تحركت نخوتها و استعادت وعيها فقامت بنفض المهانة عن كاهلها و أنا لا أنكر دعم القوى المتنفذة التي كمنت في أمريكا و عملت على انتزاع المستعمرات من بين فك الانجليز و الفرانكوفون.
الاستعمار و تسلم الحكم كبار المجاهدون .
في تونس الأبية و هي قصد موضوعنا تسلم العنان بجهد وجد حتى بنى الدولة لكنه ذاق حلاوة الحكم فتشبث به كغيره من بني يعرب و قام يسوق الناس سوقا و يقطع لسان كل معترض و غاص في الملذات السيل الزبى حتى جاء المنقذ زين العابدين ليزيح لحبيب و لكنه حفظ له كرامته حتى لقي ربه.
بدأ زين العابدين بداية مفرحة حتى انتهت فترة ولايته فسرت فيه حمى حب الحكم و التشبث به و قد أحيط به من النفعيين و ذوي القربى الذين أوهموه أن البلد ستضيع بدونه و أنه المنقذ فصدق الرجل فرحا و قيل له أن الشعب يسبح بحمدك و يرقص فرحا بوجودك بينما الطير يرقص مذبوحا من الفرح.زورت الانتخابات ومكن لذوي القربى و المنتفعين حتى انفصلت السلطة عن الشعب و استحوذت مراكز القوى بكل الخيرات حتى أكل الشعب الهواء و جاعوا و مرضوا و عجزوا عن تعليم أبنائهم و صبروا وصابروا حتى غير زين العابدين الدستور ليلغي مادة سن الحاكم التي كانت محددة و نهج ليكون مدى الحياة كما قال أحد أمثاله (أنا معكم حتى آخر نفس).
نقحت نخوة أحفاد بنو هلال فانتفضوا انتفاضة أشعلت الأرض و ارتوت الأرض بدمائهم الطاهرة و لكن زين العابدين بنصيحة مستشاريه ازداد عتوا و فتك بالمساكين الذين سدت حلوقهم و حرموا حتى من (النت )و سدت عليهم الطرق و قامت الذراع الآثمة من أنذال الأمن بالفتك بهم و كما قيل:إن الحاكم الظالم
يستأجر ثلث الشعب ليؤدب بهم من يطلب حقا أو يشكوا ظلما و إن المطلوب أن تسبح بحمد الحاكم و المحيطون بالحاكم يقنعوه أن الشعب يكاد أن يذوب حبا فيه و يفرح بطلعته البهية بينما الصحيح أنهم كلما رؤوا صورته أو صورة جلاوزته تفلوا عليها.
قام الشعب حتى ركع الظالم فقام يستجدي و يعد الوعد لكن ا حتى ليكاد يقبل أرجل أفراد الشعب رجلا رجلا ولكن الشعب خبر الثعلب و حيله و لا أحسب أنه سيستكين حتى يلاقي الظالم ما لقيه رجل رومانيا.
عشت يا شعب تونس الأبي يا من لا ينام على الضيم.
صدق الشابي
إذا الشعب يوما أراد الحياة
فلا بد أن يستجيب القدر.
يا شعوب يعرب خذوا العبرة من بني هلال و يا حكام و يا حكام العرب أدركوا نفوسكم قبل أن.
إذا فات الفوت ...ما ينفع الصوت.