الطريق الجديد، 1986

قراءات في سطور المدينة، محمد الناصر النفزاوي

 

العــــرّاب

 

من الناس من يتمـيّزبلزاجة نفسيّة وبمطّاطية فائقة تسمّيها اللغة السياسية التطهيرية بـــالروح العمليّة

وهذا النمط ينتج سياسيين في امكانهم أن يتعاملوا مع أكثرمن ظرف و واقع

هذا النمط نجده مثلا فرنسيّا زمن فرنسا أكثر من الفرنسيين أحيانا ووطنيّا زمن خروج فرنسا لا يتحدّث واحد من الناس الا ويصيح فيه شاهرا سيفه ومسدّسه وهراوته جميعا مهدّدا بالويل والثبور

مطّاطية تمكّن من أن يكون أصحاب هذا النمط ـ قيّادا ـ  في زمن و ـ قادة ـ في زمن آخر

ومثل هذه التركيبة تفترض عناصر جسديّة و نفسيّة و أخلاقيّة تجعل من مثل هذا الصنف السياسيّ صنفا جدّ خاص

أماّ النمط الثاني فهو نمط صلد مقولب شعاره ـ فاماّ حياة واماّ ممات ـ لذلك فمن النادر أن يبلغ من العمرعتيّا

يقتله الاستقلال ان لم يقتله الاستعمار

يقتله زمن السلم كما تقتله الحروب

يقتله اللاشيء أحيانا

لأنه منحازانحيازا كلّيا ودائما

لأنه مغامر قيم

لا مغامر ارتزاق

تغتاله قيم آسرة تمنع كلّ سيولة تمفصليّة متجدّدة

 

واذا كان كل شبيه بانسان النمط الأوّل يمكن أن يكون عرّابا وأن يفرّخ عرّابين صغارا وأن يبني عائلة عرّابين متضامنين دما و مالا ولزاجة تحقّق لكلّ فرخ عرّاب مايسجنه طوال حياته ضمن  طقوس التسبيح للعرّاب الأب فان كلّ شبيه بالنمط الثاني لا يمكن أن يتجاوز مصير الشهداء في عالم جفّت ملامحه الأسطورية القديمة…

وعندما نتونس هذه الحقيقة  نلمح وجوها كثيرة قديمة   وحديثة تسكنها روح العّراب

وليس الانسان  في حاجة الى انتظار ما سوف يسفر عنه نشرالأرشيفات الاستعمارية  ولا حتى التدقيق في قراءة العشريات الاستقلالية القريبة منا

انه في امكان الانسان أن يكتفي بقراءة سطحيّة لجرائد تظهر ـ فوق الشبهات ـ

سيرى الفراخ تصدح بأغان موضوعها أنّها ولدت من دون ـ حضانةـ

سيرى كيف تحوّل بعض ـ شرهي الرضاع ـ الى منظرين فوق الطبقات

سيرى كيف يردّ بعض المتعاونين الكبار في المنظمات الدولية جميل من وظّفهم ـ خارج المعمعة الوطنيّة ـ بكتابة ـ المدحيات ـ التي يشهد بموضوعيتها و ـ عمليتهاـ بعدهم عن الساحة و ـ تعاليهم ـ عن كل ـ ايديولوجية وطائفية غريبة عن مزاجنا وقيمنا ـ

 انهم لا شكّ يكتبون بدافع ـ وطنيّ ـ و ـ خيّر ـ

على الأقلّ هم تحرّروا من ضغط ـ وسخ الدنيا ـ شرط اكتمال الملامح المزاجية الاعتدالية

والبعض منهم كانوا وزراء

والبعض منهم كانوا منظرين لنفس أولياء النعمة

والبعض منهم ساهوا في اضطهاد المعارضة

فما الذي تغيّر ياترى ؟

هل هو  ـ عودة الروح ـ نهاية القرن العشرين واستعادة ـ اعتدال المزاج ـ ؟

ولم لا تحدث هذه العودة ويستعاد اعتدال المزاج الا بعد ـ سباحة مطوّلة في وسخ الدنيا ـ  ؟

أم هو شعور أجبروا عليه بأنّ السفينة بمن عليها قاربت الصّخور ؟

 

انها قصّة العــرّاب الخالدة كلّما أجبرته الظروف القاهرة على أن يلبس فكرة ـ العدالةـ وـ الاعتدال ـ