الطريق الجديد،

قراءات في سطور المدينة، محمد الناصر النفزاوي

 

في تعدد الزوجات

 

كنّا نودّ أن نخصّص هذه القراءة لوضع الناس خاصة هذا الشهر وقد وصلوا  الى حـدّ أصبح فيه ـ العظم يحكّ في العظم ـ وأجبرتنا القضايا المتثائبة على أن نكتب عن القضايا المتثائبة كتعدّد الأزواج أو كتعدّد الزوجات اذ لا أعرف قضيّة مبكيّة مضحكة كقضيّة دعوة بعض اللاتاريخيين الى اعادة النظرفي مجلّة الأحوال الشخصيّة

فالقضية مبكية لأن الحديث عن تعدد الزوجات والجواري يمثّل حنينا مرضيّا الى عصور غابرة تميّزت بالغزوات التي تستهدف الرجال والنساء على حدّ سواء

وعندما ينسى هؤلاء الدعاة أصولهم

عندما ينسون أن المجتمع كان دوما مكوّنا من شعب من العبيد والخصيان والجواري والسراري ومن قلّة قليلة من مالكي الجواري والخصيان والعبيد

عندما لا يتذكّرون أن أحد السلاطين العثمانيين القريبين منّا عهدا كان يملك ثلاثة آلاف جارية قد تكون احداهن جـدّته

عند ذلك يمكن لأيّ واحد منهم أن يربط شجرة أنسابه بالملوك والخلفاء وأن يطالب بتعدد الزوجات

والقضيّة مبكيّة عندما ينسى هؤلاء الدّعاة أن الطبيعة حكيمة وهي تفرض توازنا دائما بين عدد الذكوروعدد الاناث وأن حالات تعدد الأزواج أو الزوجات كانت دوما مرتبطة بخلل تسبّبه الحروب ما شابهها

وعندما لا يرون  حتّى في أنواع من الطيور و الحيوانات ـ باستثناء الذّئاب مثلا ـ ميلا لرفض تعدّد الأزواج و الزوجات فيعمدون الى تجاوز قانون المجتمعات متذرعين  ـ وكأنهم من جماعات المورمون الأمريكان الفولكلوريين ـ بايديولوجية فرضها ظرف تاريخي معيّن

والقضيّة مبكية عندما يغضّون النظرعن علوم أثبتت أن كل رجل منهم يتوفّر على قدر من الأنوثة وأن كل امرأة تتوفّر على قدر من الرجولة بدلائل يمكن أن يتبينوها في قابليتهم لانجاب الذكور والاناث  على حدّ سواء فيتشبثون برؤية قديمة  قدم أرسطو قبل 2500 سنة وهو يقرّرأنه يوجد تقابل مطلق بين المرأة والرجل فلا  نفهم عندئذ امكانية التعايش بين طرفين متقابلين تقابلا تاما

والقضيّة مبكيّة عندما يتحدّث البعض عن تدهور الأخلاق فيرجعون ذلك الى خروج المرأة للعمل وينسون أن الأخلاق ليست مجّرد تغطية بعض أجزاء الجسد وانما هي مرتبطة بنظام اجتماعي كامل

وكما أن الواحد منّا لا يمكن أن يجزم بأخلاقيّة موظّف قباضة عندما يحجم عن السرقة خوف العقاب فانه لا يمكن أن يعتقد أن المرأة

 ـ المطوّقة ـ اذا حاصرتها العائلة وراقبتها حتّى لا ـ تنحرف ـ تتصرّف تصرّفا أخلاقيا

 ونحن على يقين أن المجتمعات المغلقة سواء منها السالفة أو الحاضرة تعرف الممارسات الجنسية غير المقنّنة كبقيّة المجتمعات الأخرى بفارق واحد هو أن المجتمعات المغلقة تتستّر على ـ انحرافاتها ـ حتى لا تتسرّب الى السطح .

وهل توجد احصائيات يوثق فيها تبيّن أن ـ انحراف ـ الأخلاق في بعض البلدان الغربيّة تفوق ما يمكن أن   يوجد في بلدان الخليج مثلا أو أيّ بلد اسلامييّ محافظ  بشكل تحتـأرضي ؟

والقضيّة مبكيّة لأن البعض من المدافعين عن الأخلاق بمفهومها القصري أي الجنسي يقصدون من وراء ذلك حصر الأخلاق في المرأة فنجد الواحد منهم يرتكب الموبقات السبع منذ الطفولة مرورا بسن المراهقة وصولا الى سنّ الزوج وعندما تربط الصدف بينه وـ نصف دينه ـ  نجده  ينقّب عن طفولتها الأولى وعن خلجات قلبها السابقة وقبل السابقة وكأنه القدر المكتوب وكأنها القربان المقدّس

ينسى أنه عرف الاستمناء كما عرفت وعرف الاحتلام كما عرفت وعرف تجارب أخرى  كما  عرفت أحيانا

ينسى أن الملائكة لا وجود لها حقيقة في عالم العلاقات الاجتماعية وفي عالم الصراع الذي لا يخمد بين النزعات والمصالح مرورا بالنزعات الجنسيّة وصولا الى صراع الطبقات

والقضيّة مبكية لأن هؤلاء الدعاة لا شكّ أنهم كثيرا ما  رأوا  فتيات في سنّ الدراسة وعلى قدرمن الجمال يتسوّلن أو تقنصهنّ الضروريات فعرفوا منذ هذه اللحظة  ومن دون حاجة الى ـ الرجم بالغيب ـ أنهن سوف تموّلن سوق البغا بعد سنين لأنهن ولدن في عائلات يصعب أن تتعايش فيها ـ الأخلاق والفقر ـ

كما أنهم لا شكّ  قد شاهدوا أخريات في السنّ نفسها يصرف عليهن ما لا يتوفّر لعائلة كاملة ويقضين عطلهنّ الدراسية في التزحلق على الجليد في أوربا ولن تتاح لهنّ الفرص حتى  للسماع بدعاة تعدّد الزوجات

فهل الانحراف عندئذ هو أيضا ـ منزّل ـ من السماء أم أن مردّه في الأساس الى أسباب اقتصاديّة وثقافية ؟

وهل الحديث عن الأخلاق ممكن من دون ربطه بالاقتصاد والثقافة ؟

وهل الأخلاق محصورة في عالم ـ التناسل ـ و ـ التفريخ ـ أم يدخل ضمن الحديث عنن الأخلاق  كثيرمن المسائل مثل مدى أخلاقيّة من

ـ يمعّشون ـ من الخطب الأخلاقيّة من دون ربطها بواقع الناس الحياتي ؟

والقضيّة مبكيّة عندما يقع الحديث عن المرأة عموما وكأن تيريشكوفا أو ماري كوري هما  زيزي و فيفي وعن الرجل عموما وكأن دستويفسكي و والطاهر وطاّر  هما بلقاسم صاحب حصّة ـ كلّ طرق الشعوذة تقود الى السلطة ـ و قدّور السمسار بالمعوزات في شارع باب البحر

ومن النساء من تفقن شعبا كاملا من مدّعي الرجولة عقلا وحبّا ـ ولا أقول جنسا ـ ومن الرجال من لم يبلغوا ولن يبلغوا مهما بلغت قدراتهم الخطابيّة ـ البعيريّة ـ منزلة ـ بنت ليل ـ اغتصبتها الغابة الاجتماعية صاحبة شعار ـ أخ خطا رأس بنتي واضرب ـ

والقضيّة مبكيّة أخيرا لأن من يدعون الى تعدّد الزوجات يجهلون أن الاحصائيات تشير الى أن معدّدي  الزوجات في الأربعينات ـ لا في الثمانينات ـ لم يبلغوا نسبة 10 في المائة وأن الأغلبية سواء في عصر ـ السلف الصالح ـ أو في الثمانينات كانوا دوما ـ وكنّ ـ يلهثون وراء ـ ربع امرأة ـ أو ـ ربع رجل ـ (مع الاعتذار عن الصيغة) خاصة عندما لا يتمكّن توريد النساء عن طريق السبي والغزو والتجارة في العصور  القديمة من تعويض ما تزخر به قصور التجار والخلفاء والأمراء المسلمين السكيرين الشبقين من محظيات وحريم وسراري

 

ولكن القضية مضحكة من جانب آخر لأنها تطرح نهاية القرن العشرين في عصرتجنّد فيه الناس يسارا ووسطا وحتى يمينا منافقا لتكريس قيمة الفرد باعتباره فردا

غير  أنه اذا كان مجرّد طرح مثل هذه القضايا قادرا على اثارة شعورنا بمأساة هذا الجيل وبصعوبة المخاض الذي نعيش فان ذلك لا يجب أن يعني امكانية القفز على مثل هذه الظواهر وتجاهلها فلقد أصبح من المتّفق عليه أن كل مجتمع يعيش حالة كسر في  بناه الثقافية والنفسيّة الاقتصادية يصبح  تربة صالحة لاستفاقة مجموعة من القيم القمعيّة لا تستهدف المرأة بالضرورة بل الانسان بصفته فردا

وقد لوحظ في البلدان المصنّعة أن الحرب والتصنيع أخرجا المرأة قسرا من عقر دارها ودفعا بها الى سوق الشغل كما أنه لوحظ أن فترات الأزمات الاقتصادية في هذه البلدان تقود الى ظهور أدبيات صحفيّة وتلفزية تتغنّى بقيم البيت ..

العلاقة تبدو اذن أساسيّة بين تردّي الأوضاع الاقتصاديّة واستفاقة القيم القمعيّة التي تستهدف أكثرشرائح المجتمع ضعفا ومن بينها المرأة والأطفال والمسنّين

واذا كان ما يحدث من ردود فعل أثناء فترات الركود الاقتصادي في الغرب ظرفيّا فان ما يبدو في بلادنا خاصة وفي العالم العربي عموما لا يتميّز بهذه الظرفيّة اذ القيم القمعيّة ازاء المرأة وازاء شرائح من مجتمع الرجال وحتى ازاء جهات كاملة في البلاد كانت دوما موازية لمسارـ الانجازات التقدّمية ـ في بلادنا

انه يكفي أن يقوم أحدهم بتحديد ملامح صورة المرأة من خلال البرامج التلفزيّة الدستورية وما تنشره الصحافة ـ المرطّباتيةّ ـ واسعة

الانتشار في بلادنا وما يدرسه التلاميذ في المدارس حتى نلمح التناقض الصّارخ بيت هذه ـ المكاسب ـ وصورة المرأة الفعليّة

كما أن اقتصادا خدماتيّا بالأساس منذ خمس عشرة سنة لا يمكن بحال من الأحوال أن يفرز غير صورة ـ كحوليّة و ـ فراشيّـة ـ عن المرأة

مثل هذه الصورة يمكن أن نتتبّع ملامحها من خلال أحاديث   التونسيين  عموما كلّما كان حديث عن المرأة

لقد كان التجاوز اذن في حالة المرأة ـ بالرغم من تفرّده في العالم العربي ـ بنفس نسبة ما تحقّق على المستوى الاقتصادي والثقافي لذلك فان ما نودّ أن نؤكّد عليه هو أن قضيّة المرأة ليست غير بعد واحد من أبعاد الصراع بين قوى التساؤل والحيرة والتقدّم وقوى الاسترخاء والنقل والتزمّت

مثل هذا الصراع يجب أن يخوضه اليسارقبل غيره على مستوى كل الجبهات = السياسية والنقابية الأدبية وكل اقتصار على جانب من هذه الجوانب لن يعطي غير نتائج محدودة .