الطريق الجديد، 20 فيفري 1988
قراأت في سطور المدينة، محمد الناصر النفزاوي

في مستقبـــــل المـــشهّدين في الفقــــه والحــــديث

سأتناول في هذه القراأت موضوعا شائكا هو موضوع الكلّية الزيتونيّة وآفاق تشغيل الطلبة المتخرّجين منها هو موضوع شائك لأن الحديث عن مسائل تتعلّق بالدين في جريدة الطريق الجديد تدفع البعض الى اتخاذ مواقف تجريميّة من صاحب هذا الركن خصوصا قبل قراءة المقالة أحيانا عملا بالقولة التي أصبحت مشهورة ـ هذا ولم أقرأ الكتاب بعد ـ
وهو موضوع شائك لأنّ أغلب الصحف التي تعوّدت على التطبيل لهذا القرار السلطوي أو ذاك من دون أن تكلّف نفسها عناء النظر الى أبعد من أنوف صحفييها القشّارين القصيرة  تحجم عادة عن اثارة مثل هذا الموضوع في حين لا نرى نحن في هذه الجريدة  عموما أنه لا توجد محرّمات لا يمكن تناولها ما دامت تهمّ المواطنين. وانطلاقا من هذه الرؤية أثرنا العديد من المشاكل التي ان كنا لا ندّعي التوفيق الكامل في صحّة تحليلها فانّنا ندّعي أنها تستمدّ قيمتها من تجذّرها في اهتمامات التونسيين على الأرض وقضيّة الكلّية الزيتونيّة واحدة منها.

قد سمّيت هذه الكلّية في جوان 87 الكليّة الزيتونية للشريعة وأصول الدين والعلوم الانسانيّة ليقع تغييراسمها بعد 7/11/87 بالرجوع الى التسمية القديمة كلّية الشريعة وأصول الدين قبل أن يقع  تبنّي اسم الجامعة الزيتونية في 21/12/87.
هذه التغييرات المتتالية كانت تساير الصراع السياسي في البلاد بين السلطة الحاكمة والتيّار الديني وهي تشي بأن القضيّة الدينيّة أصبحت شاغل السلطة السياسة الأكبر.
واذا كان كلّ التونسيين قد سايروا أطوار هذه الخصومة سياسيا فان الكثيرين منهم لا يعرفون كثير شيء عن واقع هذه المؤسّسة الدينيّة سواء في ما يتعلّق بالطلبة المنخرطين فيها أو بمحتوى برامجها أو آفاق تشغيل منخرطيها.
ومثل هذه القضايا هي التي تهمّنا هنا بعيدا عن كلّ حساب سياسيّ.
ان عدد طلبة كليّة الشريعة يفوق الألفي طالب يتخرّج كلّ سنة منهم أكثر من 150 طالبا محرزا على الأستاذيّة في الاختصاصات التالية : الحديث / القرآن / الأصول / الفقه / الدراسات الاسلاميّة والحضارة.
ومثل هذه الاختصاصات لا نعتقد أنها يمكن أن توظّف في المجالات الاقتصاديّة وحتّى ان افترضنا أن التعليم يمكن أن يستوعب قسما من هؤلاء  المتخرّجين فان العدد الأكبر سوف لن يجد اشباعا في سوق شغل تونسيّة ضاقت على الأطباء والمحامين والمهندسين.
ومن هنا يصبح السؤال التالي مشروعا :
هل من المعقول في مثل هذا الوضع التشغيليّ الخانق أن نقبل بسياسة لا تعتمد الواقع الموضوعي حكما أوحد  وتسمح بتضخّم كهذا وبأي شيء سيقع تبرير بطالة الأعداد الهائلة من المشهّدين  في الفقه والحديث ؟
ان الطلبة أصبحوا منذ زمان يطلقون على الشعب التي لا تهيء طلبتها للانخراط السهل في سوق الشغل اسم ـ شعبة بطالة ـ ولا نعتقد أن توجيه آلاف الطلبة نحو كليّة الشريعة أمر نافع وحكيم.