27 فيفري 1988 تأسيس التجمّع الدستوري الديمقراطي R.C.D


الطريق الجديد، 1988
قراءات في سطور المدينة، محمد الناصر النفزاوي

بين القوى الحيّــــــة والمؤلّفة  قلوبهم

كثير من الكلمات  والعبارات تتهرّأ بسرعة أو  تفقد معناها الأصلي عنما يكثر   استعمالها في الشيء وضدّه أو في كلّ مقام ومقال منها عبارة " القوى الحيّة " فهذه القوى قد شاخت بل ماتت وهي تسمع  طيلة شبابها تغنّيا بصفاتها لا يشبهه غير غزل الشعراء بحبيبة قد لا تكون موجودة في أرض الواقع من دون أن تلمس حقيقة تبديدا لشكوكها في نيّة الساسة والمغنّين على حدّ سواء.
ما هو محلّ هذا التقديم المختلط من الاعراب ؟

مدير ( ح. ت. د.) ـ أي حزب التجمّع الدستوري الديمقراطي ـ لا يترك مناسبة للمقارنة بين الحكم في تونس والحكم في البلدان الديمقراطيّة حقا وخاصّة في ما يتعلّق بتوظيف القوى الحيّة ( بمعنى  حقن الدم  الجديد هذه المرّة ) في الجسد الاداري والسياسي الثقافي التونسي المريض ويحدّد مفهومه أكثر للمسألة فيؤكّد أن كلّ نظام ( هكذا بالتعميم ! ) يعمد الى توظيف " اطاراته " عندما يتسلّم الحكم في المناصب الهامة.
واذا كنت أوافق مدير حزب التجمّع ( ح ت د )على جزء من تأكيده فانّني من ناحية أخرى لا أعتقد أن هذه الطريقة في التعميم سليمة حتى  لا أقول " بريئة " اذ أن البلدان الديمقراطيّة التي يشير اليها اذا كانت تعمد في بعض المجالات الحسّاسة كالوزارات والولايات الخ الى هذا المسلك فلا يوجد واحد منها يعمّم هذا السلوك فيشمل تسيير الهياكل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية المتوسّطة وما دونها والا كان أيّ تغيير في قمّة هرم السلطة نافذة على " شطـــحة وظائفيّة " لا تبقي ولا تذر.
ومن يشاهد ايطاليا القريبة منّا جغرافيا فسيتأكّد مما أقول اذ كثيرا ما يشهد هذا البلد تغييرا في هرم  السلطة ولكنّ المؤسّسات تبقى عاملة ولا تتأثّر الا قليلا بما يحدث من سقوط هذه الحكومة وصعود تلك
وماذا نجد في المقابل عندنا ؟
نجد أنّ مطلب ترشّح لهذا المنصب الصّغير في ديوان الصيد البحري أو في وزارة التعليم يتضمّن في الجزء الأكبر منه  ارشادات حول النشاط  ( لا المهني أو الثقافي ) ولكن الحزبي الدستوري للمترشّح ووصل الأمر في بعض الأوقات الى أن أصبحت التقارير الأمنية والحزبيّة الدستورية هي المقرّرة لا للترشح لهذا المنصب أو ذاك ولكن للابقاء على وظيفة الانسان أو العكس.
وماهو الوضع الآن ؟
هل تغيّرتغيّرا جذريّا ؟
هل تحوّلت المعاملات والقيم في الموضوع الذي نتناول ؟
اننا لم نر تسميات في هذه الادارة الصغيرة أو تلك المؤسّسة البسيطة تخضع للكفاءة وحدها من دون اشتراط الانتماء الى الحزب الدستوري سابقا ، حزب الـ ( ت د )  حاليّا اذ بقي الانتماء الحزبي شرطا أساسيّا.
ومثل هذه الرؤية للاشياء لن تقود آجلا الا  الى اقناع الناس بأن لا شيء جديدا تحت شمس هذه البلاد وفي سماء الحزب ـ الدولة الحاكم الا ما كان من ذرّ الرماد في العيون وما  " المبادرة " التي قام  بها الحزب ـ الدولة الحاكم " للتفتّح على الطاقات الحيّة " في البلاد الا دليل اضافيّ على ذلك.
ان كثيرا من هذه الطاقات يحدوها حقيقة شعورصادق بوجوب بذل ما في الوسع للمساهمة في التغيير نحو الأفضل تماما كما يحدوها طموح مشروع الى أن تحتلّ في النسيج الاجتماعي والثقافي والسياسي مكانة تليق بقدراتها ولكنّها تجد نفسها ملزمة بتأثير هذه الرؤية الحزبية الضيّقة بالمرور عبر قنوات  الحزب ـ الدولة الحاكم وهو أمر محرج يحسّه كلّ واحد يتحادث مع المنخرطين الجدد في الـ ( ت د ) وفيهم  الكثيرون ممن نقدّر كفاءاتهم حق قدرها ورفعة صفاتهم الانسانية.
أودّ أن أؤكّد في النهاية على حرّية الناس في انتماءاتهم فلسنا أوصياء على أحد كما أن  محكّ النيات الحقيقية هو ما ستظهره  الأيام ولكن ما لا أفهمه هو أن يدّعي حكم (أيّ حكم) أنه يسعى الى تجديد النسيج الوظيفي لمجتمع أثبتت الجربة أنه على شفا هاوية ويعمد مع ذلك الى حصر مساهمة من يهمهم مصير البلاد أي مصيرهم في ما يرى  ، هو، أنهم " القوى الحيّة " أي في من يرتضي في النهاية التظّلل بظـــلّه أي  اجباره  (معنويّا على الأقلّ ) على مزج الــــطّموح المشروع بل الواجب بقدر يقلّ أو يكثر من التحيّز السياسي في بلد لا نشكّ أبدا أنه لا يجمع على ( ح ت د ) وان كان في هذه اللحظة مجمعا حول رئيس الدولة.
لقد آن الأوان حسب رأيي ، وحتى لا نندم على ذلك ، أن تقع الاجابة عن السؤال التالي :
ان لم يكن الرئيس معبّرا بمعنى من المعاني  عن مصالح جماعة ضيّقة فلم الاصرار على ربطه بعصبيّة حزبيّة ثقيلة التكاليف  سفّهها    الماضي فاختارت أن تكون المؤلّفة قلوبهم طريقها الوحيد في ما تتوهّم أنه الخلاص ؟