الطريق الجديد، 12 أكتوبر1988
قراءات في سطور المدينة، محمد الناصر النفزاوي

يأكـــــلون الغــــلّـــة ويـــســبـّـــون الـــمـــلّـــــة !

درج نمط من المثقّفين العرب على ردّ كلّ مصائب العرب الى الغرب وكأنّهم يودّون  ايهام الناس البسطاء أنّ العامل الخارجي هو المحــدّد الأوّل والأخير في ما صار عليه وضع وضع الحضارة العربيّة.
كأنّهم لم يقرؤوا ابن خلدون وغير ابن خلدون.
وقد يفهم هذا المنطق عندا يسود في فترات ما يسمّى بـ" الحروب التحريريّة "  فيعمد " الوطنيّون " الى تمجيد الذات وتضخيمها وتشويه صورة " الآخــر" كلّيّا تماما كما كان يحصل في الشعر الحزبي القديم القديم ( والحديث ! ).

أمـــّا عندما يتجاوز المرء هذه الفترات ويصرّعلى المنطق نفسه فانّ الشكّ في المقاصد يصبح ضروريّا وذلك لكثير من الأسباب نذكــر  عددا منها :

 

ـ اذا استثنينا ذوي التكوين التقليدي المحض الذين تصحّ فيهم القولة " من جهل شيئا ( أو فهمه سطحيّا ومشوّها ) عاداه " فانّ الطبقات الحاكمة الجشعة لا تستنكف من استغلال شعوبها ذاتها الى حدّ العظم وهي لا تجد أضمن من البنوك الأوربية لحفظ الأموال  "  الوطنيّة " المهرّبة وذلك في نفس الوقت الذي لا تكفّ فيه عن توجيه  أصابع الاتهام الى هذا الغرب " الشيطان " .
ـ أنّ هذا الغرب  الذي أصبح وسيلة الى تحويل أنظار البسطاء عن الاستغلال العربي الداخلي يصبح في أوقات الصعوبات السياسيّة التي يتعرّض لها غلاة محاربيه هو " مــكّــة "الأمان و " مدينة " اللجوء السياسي  وفي أوقات الرفاه مدرسة جدّية لتعليم الأبناء الأثرياء الهاربين من ترييف الجامعات الوطنيّة . وما أحوجنا اليوم الى دراسة تبيّن لنا عدد اللاجئين العرب والمسلمين الى أوربا والولايات المتحدة من الخليج الى المحيط وعدد الأبناء الدارسين في أعلى جامعات هذه البلدان.
ـ انّ الغرب " الشيطان "  هو على المستوى الاقتصادي والاستهلاكي المثل الأعلى  ويكفي حتّى نقتنع بذلك أن ننظر الى نمط اقتصادهم وأماكن مدّخراتهم وطرق عيشهم ونوع سكناهم وحتى " علب نزواتهم
انّ ما أوحى اليّ هذه القراءات هو هو خبر طريف قرأته منذ مدّة في احدى الصحف المشرقيّة  فلقد كانت بعض النساء الخليجيات العربيات المسلمات تتنزّهن في احدى المدن الغربيّة وصادف أن أشرفن على شاطئ مخصّص لسباحة العراة من الرجال والنساء فما كان منهنّ الا أن بدأن بشتم هؤلاء " الشياطين " واتهامهم بالفسق والفجور.
لقد تبادر الى ذهني وأنا أقرأ  هذا الخبرسؤالان :
ـ ما الذي كان يمكن أن يحدث لو شذّ عدد من العرب في البلاد العربية عن القاعدة  ؟
ـ و/ ما الذي دفع بهؤلاء المحجّبات الى تخيّر بلاد " الشيطان "  مكانا للتفسّح ؟
أمّا السؤال الأهمّ فهو :
ـ ألا يكون سلوك هؤلاء النسوة مجرّد سلوك ظاهريّ تماما كاللباس  يخفي في الحقيقة واقعا نفسيّا مغايرا أي هو يشبه ،مع بعض التعميم ، خطاب من يتّهمون الغرب بكلّ شيء أمام شعوبهم ولكنّهم لا يتورّعون خفية عن أن يتّخّذوا منه قبلتهم في المال والصلاة على حــدّ سواء ؟