الطريق الجديـــد ، 26 أكتوبر 1988
قراءات في سطور المدينة ، محمد الناصر النفزاوي

في  جوائز الـــسّــــادات ونجيــــب محـــفـــوظ...

عندما بلغني خبر  حصول نجيب محفوظ  على جائزة نوبل للآداب لهذه  السنة لم أدهش وكان ردّ فعلي الأوّل أن مثل هذا الحدث سيقع تضخيمه على كلّ المستويات فيذيب اهتمامنا في شمال أفريقيا خاصّة بأحداث الجزائر الدّامية الأخيرة.
لقد أصبحت أخشى مثل هذه الأخبار مهما كان لونها منذ أن عشت في الجزائر ورأيت كيف تمكّن الفوز الأوّلي للفريق الوطني الجزائري في كأس العالم سنة 1982 من تحجيم مذابح لبنان ضدّ فلسطين اضافة الى أنّني  لا أفهم الى حدّ اليوم كيف يشكّ العرب في قدراتهم الفكريّة وغير الفكريّة فيتحوّلون في لحظة من محاربين للغرب " الشيطان " الذي يجب التوقّي من شروره الى حالة تضخّم نفسيّ كلّما اعترف لهم هذا الغرب ببعض القيمة في هذا المجال أو ذاك. 
حدث هذا عندما برز القمّودي في الألعاب الأولمبية في مكسيكو.

حدث هذا عندما انتصربعض المغاربة من الجنسين في هذه الألعاب.
ويحدث ذلك عندما يكتب غربيّ كتابا مدحيّا في حضارة العرب.
قد يتساءل المرء لم أخلط بين " سموّ الأدب " و " حقارة الرّجلين " وليس تساؤله وجيها اذ  أنّ الحضارة كلّ أو لا تكون :
هي مؤسّسات وهي أدب  وهي رقص على الجليد.
ووالله لو انتصرت عربية في التزحلق على الجليد أو الماء ( والماء متوفّر توفّر الشطوط العربيّة ) لفرحت لذلك من كلّ قلبي بالرغم من أنني لا أفخر عادة ولا أحبّ من يفخر، بالانجازات الفرديّة ذلك أن مثل هذا الانتصار لن تشوبه شائبة ويضطرّ الجميع لتزكيته.
أمّا جائزة نوبل للآداب فهي غير ذلك. ومع ايماني أنّ نجيب محفوظ يستحقّ هذه الجائزة تماما كما كان من المفروض أن يحصل عليها عرب آخرون منذ عقود فانّ من الصعب على أيّ قارئ جدّيّ للأحداث أن يتصوّرمثل هذا " الاعتراف بالقيمة الأدبيّة " الآن لو لم  يسبق أن حصل عليها أنور السادات.
فكيف نفسّر أن بعض  كتّاب الغرب رفضها منذ الخمسينات وتقام الدنيا ولا تقعد عندما حصل عليها عربيّ من مائتي مليون نهاية القرن العشرين أي منذ انحسار" الهالات " من كلّ نوع ؟
لقد تقرّر بعد في مصر اقامة نصب لنجيب محفوظ.
تقرّر ذلك في مصر بعد أن أعطت اللجنة السويديّة " تأشيرتها " الضمنيّة …
وهكذا يستغلّ النظام المصريّ في نجيب محفوظ ما لم يسمح به " انخرام الاجماع " في حالة أنور السادات.
انّ قضيتنا الأساسيّة في هذا العالم العربي هي الفصل بين الثقافة والسياسة  والاقتصاد :
وهكذا أتاحت لنا الظروف أن نشهد مثقّفين من الموظّفين يصيحون بأنّ في انتصار نجيب محفوظ انتصارا لي ولك بل لقتلى أحداث " الكسكسي " الأخيرة في الجزائر.
والحقيقة هي أنّ رجالا لا يكفّون عن النحيب الجنائزي عندما يقتل عربيّ في أوربا ويغضّون النظر عن مئات القتلى في بلدانهم وملايين المرشّحين للقتل بشكل مباشر أو غير مباشر هم أناس لا أخلاقيون لأنهم لم يربطوا حقيقة في يوم من الأيّام بين الأمّة بصفتها كينونة متعالية في نظرهم ورعاع العرب في في كلّ مكان من هذا  العالم العربي.