الطريق الجديد، 13 ديسمبر 1988
قراءات في سطور المدينة، محمد الناصر  النفزاوي

فــــي نــــهج تـــقـــلـــيم الأظــــافـــــر

لا أحد في ما أعتقد يشكّ في أنّ المشروع السياسي الديمقراطي كما حدّدت ملامحه الخطب الرئاسيّة قد أثار حفيظة بعض القوى الداخليّة التي رأت فيه تهديدا مباشرا لما تتصوّر أنّه يمثّل مصالحها الحقيقيّة وكذلك القيادات العربيّة بصفة خاصّة التي تخشى من دون الاعلان عن ذلك امكانيّة عدوى سياسيّة تذهب بعروشها ورئاساتها.
هذا هو السبب الذي دفع كثيرا من التونسيين منذ خريف السنة الفارطة الى تزكية المسار من ناحية والى اعتماد الحذر من ناحية ثانية اذ كلّ التغييرات تبدو عند ظهورها تجميعيّة واعدة ولا بدّ من بعد زمانيّ كاف  يسمح بالمقارنات بين أدبيّات كلّ سلطة جديدة ومدى تطبيقها فعليّا للمبادئ التي تتضمّنها هذه الأدبيّات.

فهل تكفي سنة لنعتمد هذا المعيار في الحكم على السابع من نوفمبر ؟
انّ الملاحظ  في هذا السياق أنّ السلطة الحاكمة عمدت طيلة السنة الفارطة الى تجاوز كثير من العقبات السياسيّة الكابحة لكلّ مشروع تجميعيّ للتونسيين ، أقصد بهذه العقبات الملفّات القضائيّة الخ..
ولكنّ الملاحظ كذلك أنّه بعد مرور عام واحد من التغيير بدأت تظهر علامات مزعجة في علاقة السلطة ببعض الأحزاب السياسيّة وبعض الصّحف..
يكفي أن نذكر من هذه العلامات ما تعرّض له أخيرا بعض ممثّلي هذه الأحزاب من " تأديب " نتيجة مواقف اعتبرت " متطرّفة " وغير قابلة للحلول الدّنيا وكذلك بعض الصحف من " ايقاف "  أو "تحذير" .
انّني لا أتصوّر أنّ مثل هذه الممارسات يمكن أن تعطي النتائج المرجوّة  لممارسيها بل هي على العكس من ذلك تدعم رأي المشكّكين في امكانيّة أن تطابق السلطة لمدّة طويلة بين خطابها السياسيّ وما يفترضه من سلوك مواز وغير مناقض لهذا الخطاب.
انّ أهمّ لوم توجّهه السلطة لخصومها هو تركيزهم على السلبيّات في غياب الاشارة الى أنّ "هناك ايجابيات قابلة للتحسين " وكأنّها تطلب منهم تزكية ولو محدودة لهذه السلطة وممثّليها.
وأنا أعتقد أنّ هذا المطلب ذاته يمسّ من روح ما نفهم من " الديمقراطيّة " خاصّة في بلد يزخر بوسائل اعلام مرئيّة ومسموعة ومقروءة لا تدّخر  جهدا  في " مدح "  السلطة والتغنّي بصفاتها ولا يقابلها سواء في العدّة أو العدد الا بعض الصحف التي لم نر الى  حدّ اليوم أنها بالغت في النقد والانتقاد بل على العكس من ذلك نرى كثيرا من المثقّفين يشتكون من " ليونة " في مواقفها كادت تصبح شبوهة.
انّ أكبر ما أخشاه هو أن يتزايد مثل الممارسات التي ذكرنا  منذ العام الثاني للتغيير فيصبح من الصعب تصوّر ما ستؤول اليه الحال بعد مضيّ فترة زمنيّة أطول.