الطريق الجديد،14 ديسمير 1988
قراءات في سطور المدينة، محمد الناصر النفزاوي

بـــيــن بطـــل الـــروايــــة وبـــطل الــسّيــــاســـة

يرى بعض كبار الفلاسفة أنّ ميزة البطل الروائي هي البحث عن أصالة الانسان في عالم غير أصيل لذلك لا تعدو الرواية أن تكون تعبيرا عن مغامرة مآلها الفشل يمثّلها فرد يريد أن يعطي معنى ـ هو معنى ذاته الانسانيّة ـ لعالم أصبحت العلاقات الاجتماعيّة فيه مشيّئة  تماما.
ونحن لو أسقطنا هذا الكلام عن الرواية على العلاقات الاجتماعيّة في بلداننا لحصلنا على ممثّلين للحياة الاجتماعيّة ينقسمون كما يلي :

ـ فريق فرد متضخّم النفس وجاهل تبعا لذلك لحقيقة العوائق الموضوعيّة التي تحول دون تحقيق القيم التي يصرّ على أن يبشّر بها وهي عوائق موضوعيّة داخليّة وخارجيّة يمكن لأيّ كان أن يلمس باصبعه تأثيرها الحاسم في مصير كل مشروع متعال منطلقه ارادة   التجاوز المطلقة.
ولا يصبح هذا الجهل بتأثير هذه العوائق ممكنا ودائما الا عندما تتضخّم الذات  على حساب الواقع المرّ فيصبح رفضه جملة وتفصيلا مبرّرا أحدا للبقاء.
ـ وفريق ثان يمثّل الأغلبيّة أو " العدد " ويتفرّع  الى سلطة متعدّدة الوجوه سياسية ومالية ودينيّة طقوسيّة تعتبرأنّ مصالحها هي مصلحة من تمثّلهم حقيقة ومن لا تمثّلهم كما  يتفرّع الى هذه الأغلبيّة الصامتة والمغيّبة على كلّ المستويات والتي هي مستعدّة اليوم ـ وهذه هي الحقيقة ـ للتصفيق لمشروع فوقيّ قد تزكيّه الطبقة الحاكمة ان وافق مصالح هذه الطبقة بالدرجة الأولى لتقبر نفس  هذا المشروع ان لم تتبيّن فيه هذه الطبقة لاحقا ملامح المصالح الطبقيّة المرجوّة.
ممّا تقدّم يمكن أن نفهم لم قد يكون مشروع البطل مجرّد مغامرة ولم  يكون مآل هذه المغامرة الفشل الحتميّ.
ذلك أنّه يوجد طرفان متوازيان لا يلتقيان الا على أساس الوهم والجهل أو النفاق :
ـ طرف مجال عمله القيم لا يبغي عنها بديلا لأنّ مصيره ارتبط بها مهما كان تقييم الآخرين لهذه القيم
ـ وطرف " قيمه " قيم السوق المتمثّلة في حيازة " أطيب  المآكل والمشارب والمساكن والمراكب والمناكح " بالتعبير القديم ولا يمكن أن يتبنّى أي قيم لا تمثّل منفذا ضامنا لتحقيق هذه الغايات.
وتصبح المأساة حتميّة عندما يتّخذ كل طرف من الطرفين من اقتناعه " دينا "  وتصبح المأساة أكثر ايلاما عندما يعمد كلّ من الطرفين رغم التشبّث بهذين الاقتناعين الى اظهار أنّ القطيعة ليست بحجم ما يتضمّنه التضارب في المراجع الفكريّة.
انّ الواقع يصبح تعبيرا عن القولة " كلّ واحد يحسب وحده " .
بقي أن أشير في هذه المقالة  وحتّى لا يفهم كلامنا خطأ الى أنّ البطل الاشكالي المتشبّث بما يعتبر أنه قيم أصيلة والذي استهللنا الكلام به قليلا ما تفرزه قمّة الهرم فهو غالبا ( وهذا ما يدفع عنه كلّ شبهة ) يتولّد  من انشقاق عظام الجسد الاجتماعي الخاضع لضغط عصى القوّة الغضبيّة والشهويّة الحاكمة في كل مكان ولذلك فهو يبدو معبّرا عن طموحات من يشبهونه لأنّها طموحات ضرورة لا اختيارا ترفيّا..واذا كان في الامكان على ما يبدو أن يظهر البطل الاشكالي كذلك في هرم السلطة فانّ هذا يطرح اشكاليات جديدة تنضاف الى الاشكاليّة الروائيّة السابقة وما أصعب عندئّذ تجاوزها. ذلك أنّنا اهتممنا في هذا الركن بأبطال الروايات ومن المستبعد أن يكون أبطال الروايات صورة أمينة لأبطال الواقع .