الطـــريق الجديــد،  21 ديسمبر 1988
قراءات في سطور المدينة، محمد الناصر النفزاوي

" أطــــفال بــــورقــــيــــبــــة "

أعتقد أنّه لا يوجد هذه الأيّام مقياس لتضخّم أسعار السوق التجاريّة أفضل من مقياس المقارنة بينها وبين سوق اللفظ السياسيّة.
ففي كلا السوقين تجد الرأي الرسمي واحصائياته وتقديراته المتفائلة كما تجد مقياس الرأي المعارض واحصائياته وتقديراته " المتشائلة " .
انّه ليمكن لأيّ كان أن يقارن بين الرأي الرسمي سواء في ما يتعلّق بسعر السمك أو الديمقراطيّة وحرّية الصحافة  و " مـــرمّة " الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة الخ ..ورأي المعارضة في السمك وبيضه والديمقراطيّة و " تفريخاتها " كما تعبّر عنها الممارسة الحزبيّة الدستوريّة اليوميّة ولسوف  يخرج من هذه المقارنة ب" قــفّـة " متناقضات نتيجة فهم كلّ طرف لسطور الخطب الرسميّة المتتالية ولما بين هذه السطور خاصّة.

وهكذا وقع التصفيق لتغيير في المطلق من دون أن يتوقّف البعض عند السؤال :
ـ بأيّ أيد يمكن يمكن أن يحدث تغيير حقيقيّ وشامل ؟
ومن الذي له مصلحة حقيقيّة في تغيير حقيقيّ وشامل ؟
هل هم من تربّوا في حجر الحزب الدستوري واستفادوا منه اقتصاديّا ومعنويّا سواء أكان ذلك في وضح النهار أو بطريق مواقع ظلّية ولكنّها مربحة دائما أم غيرهم ؟
ولقد كان من نتائج هذا الاندفاع العاطفي المفرط أن بدأ الكثيرون اليوم يستيقظون على أبعاد الشعار.
"  عفا الله عمّا سلف " وعلى زحف " حربائيّ " سياسيّ أخطر من زحف الجراد الطبيعيّ.
بدؤوا يشهدون استفاقة ممارسات قديمة جديدة في السياسة والنقابة والادارة.
بدؤوا يشهدون عودة محتشمة أحيانا ووقحة أحينا كثيرة لكثير من الوجوه المجوجة ثقافيّا واعلاميّا وسياسيّا في هذا الموقع أو ذاك اضافة الى كثير من أطفال بورقيبة الذين حالت بينهم وبين " ضرع البقرة " 7 نوفمبر أسطورة " البقرة الوطنيّة حكر على الصحابة " فاندفعوا اليوم الى صفوف الزحام الأولى أملا في " لقشــة قاطو " عملا بسنّة " تشبيب الرضاع " .
غير أنّ أمرا هامّا قد يكون تناساه هؤلاء وهو أنّ الناس اليوم يعرفون بعضهم البعض أي أصبحوا " جرابة صافي " وليس في امكان أيّ كان أن يتحدّث عن تاريخ أسطوريّ ولا عن سيرة ذاتيّة لم يشهد الناس بدايتها وتطوّرها كما أتاح الزمان لقدماء السياسة أن " يفبركوا " أسطورتهم…
ومن هنا يصبح مشروع الكثيرين صعبا أو على الأكثر غير قابل للاستمرار طويلا .